أخبارفي الصميم

فرنسا الجديدة- القديمة والنظرة التي لا تتغير

حين يتحول السياسي إلى مختص في الشؤون الدينية وفي فرنسا، أقدم وأعرق الديمقراطيات العالمية، يمكن الجزم أننا نعيش فعلا زمن التفاهة على حد تعبير الفيلسوف ألان دونو. التفاهة أصبحت سمة المجتمع المعاصر في جل الميادين وحلم التغيير صار صرخة في وجه العبث الذي تسلل إلى داخل كياننا، التصريحات السياسية أصبحت لا تطاق في زمن اللاعقلانية وزمن السراب.

بقلم عبدالله العبادي

الرئيس ايمانويل ماكرون لم يستسغ إسلام الرهينة الفرنسية العائدة من مالي بعد سنوات الاحتجاز، وغادر المطار دون أن يدلي بخطابه، ماكرون الذي شاهد كيف تم التعامل مع الفتاة المحجبة، ممثلة للنقابات الطلابية، بالبرلمان الفرنسي في بلد الحريات وبلد المؤسسات الدستورية الضاربة في القدم.

ماكرون الذي عايش كيف تم تهييج الضواحي الباريسية وتم إحراق السيارات والمرافق حين قال ساركوزي مخاطبا أبناء المهاجرين بأنه سيتم تنظيف الضواحي بالكارشير، في استفزاز صريح للمهاجرين وأبنائهم الذين ولدوا فوق التراب الفرنسي.

فرنسا التي لم تصحح بعد مصطلح الاندماج الذي لا يعترف بالاختلاف بل فقط بالقالب الفرنسي، فرنسا التي لم تنسى بعد تاريخها بشمال إفريقيا وخصوصا بدول المغرب الكبير. ما يجمع فرنسا بدول جنوب المتوسط أكثر من شراكات اقتصادية بل تاريخ من الصراع والاستعمار والسيطرة الامبريالية، الرئيس الفرنسي لا زال يشكل هذا الجيل القديم – الجديد وهذه الإيديولوجية العدائية السائدة في الأوساط السياسية الفرنسية.

ماكرون شرح وفصل واقع الإسلام كما أراد، دون اكتراث لأكثر من ملياري من المسلمين عبر العالم، ودون احترام لأكثر من خمسة ملايين مسلم بفرنسا، كثاني ديانة بالبلد. فصرح قائلا “بأن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.

الكلمة التي ألقاها الرئيس أدت فقط لنشر الكراهية بين المواطنين الفرنسيين من ديانات مختلفة، ونمت العداء اتجاه أبناء المسلمين رغم كونهم مواطنين كباقي المواطنين الفرنسيين. وسلوك الأستاذ  لم يأتي إلا ليؤجج الصراع بين أبناء الوطن الواحد رغم اختلاف أعراقهم ودياناتهم لكن تجمعهم الإنسانية وحب العيش المشترك، لكن فرقت بينهم المواقف السياسية للمسؤولين الفرنسيين.

ماكرون يشكل اليوم أزمة دولة في تعاطيها مع ملفات حرجة وتزايد أعداد المسلمين بأوربا، وهو يغازل بشكل مكشوف اليمين واليمين المتطرف بتطرقه لمواضيع كهذه. كما يحاول أيضا إشغال الرأي العام الفرنسي عن المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد ومحاولة تلميع صورته أمام الناخبين خصوصا وأن استطلاعات الرأي أشارت في أكثر من مرة بأن شعبيته تعتبر الأسوأ في تاريخ الرئاسيات الفرنسية.

ماكرون الذي لعب دور المفكر الإصلاحي للشأن الديني، ذكر الإسلام أكثر من أربعين مرة في خطابه، وشخص واقع الإسلام بفرنسا وبالعالم أسره وأعطى الحلول. ماكرون لم يكن الحالة الشاذة في الإيليزي بل سبقه جاك شيراك حين شكل لجنة ستازي ومنع الرموز الدينية من الفضاء العام.

ماكرون ومنذ توليه الرئاسة لم يفوت أي فرصة إلا وأثار قضية الإسلام والمسلمين، وتحدث عن شكل الإسلام الفرنسي الذي يريده والذي يتوافق حسب رأيه، مع قوانين الجمهورية العلمانية.

فالخوض في قضايا الإسلام والمسلمين صارت ضرورة ملحة في برنامج كل رئيس فرنسي، وماكرون لم يتأخر ولم يخرج عن القاعدة، فقط أثار فوضى في الوقت الذي كان عليه أن يبحث عن حلول لعديد من المشاكل التي يتخبط فيها أبناء المهاجرين.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button