أخبارتقارير وملفات

جفاف الأنهار والبحيرات يدعو إلى تعاون إقليمي أكبر

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق معاناة من ندرة المياه حول العالم، وبالرغم من أنها تضم 6% من سكان العالم، إلا أنها في ذات الوقت تضم حوالي 1% فقط من إجمالي موارد المياه العذبة المتجددة على الأرض. ويعتبر ذلك المعدل مؤشر كارثي مقارنة بالنسب العالمية البالغة 35%. وما يزيد من خطورة الأمر أنه – بحلول عام 2025، ستكون إمدادات المياه العذبة المتجددة في المنطقة قد انخفضت إلى أقل من ثلث مستوياتها قبل 50 عام، وذلك بالتوازي مع النمو السكاني البالغ نحو 2% سنوياً، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان مدنها بحلول عام 2050. وبحلول ذلك الوقت، سيرتفع إجمالي الطلب على المياه بنسبة 58% عن مستويات عام 2010، مما سيؤدي إلى حدوث فجوة هائلة بين العرض والطلب على المياه.
ربما يكون أبرز مثال على ذلك هو جفاف البحيرات والأنهار في المنطقة، فخلال هذا الشهر، انحسرت المياه في ثاني أكبر بحيرة في تركيا – بحيرة طوز – تمامًا، وسجلت أعلى انخفاض لمنسوب المياه لأول مرة في عام 2000. ومن الجدير بالذكر أيضا أن بحيرة طوز تعتبر واحدة من خمس بحيرات رئيسية في المنطقة معرضة لخطر الاختفاء. كما تعرضت بعض الأنهار مثل نهر الخابور في سوريا للجفاف، وسجل نهر الفرات مستويات مياه منخفضة.
 تحولت أزمة ندرة المياه لصراعات خطيرة بعضها أخذ الشكل العنيف الذي يشير إلى أن هناك تهديد جدي يهدد استقرار المنطقة وأمنها خلال الفترة المقبلة. وكما شهدنا من قبل، أدي شح المياه إلى موجات جفاف شديدة وأزمات غذائية دفعت السكان للنزوح. كما أدى الفقر والأزمات الاقتصادية والمعيشية إلى الابتعاد عن الأراضي الزراعية التي لم تعد توفر غلات صالحة للعيش. ومن ثم، أدى ذلك حاليا الى ارتفاع أزمة البطالة بين المزارعين والشباب في القرى مما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد من قبل للجماعات المسلحة المتطرفة، فضلاً عن موجات نزوح من المناطق التي تشهد فقر مائي لأماكن أخرى، وهو ما يتسبب في تكدس المدن وزيادة الضغط على الخدمات الأساسية واندلاع اضطرابات داخلية.
وأدت علاوة على ذلك، أزمة ندرة المياه الى نشوب صراعات داخلية، ففي اليمن، وردت تقارير عام 2013 عن حدوث نزاع بين قريتين متجاورتين بالقرب مدينة تعز، بسبب التنافس على أحد الآبار المائية هناك مما أسفر عن مقتل شخصين، تلك المدينة التي يعاني أكثر من 62% من سكانها من عدم قدرتهم على الحصول على المياه الصالحة للشرب. ومنذ ما يقرب من خمسة أعوام خرج سكان زاكورة الواقعة بجنوب المغرب للاحتجاج، مطالبين بحقهم في الاستفادة من الماء الصالح للشرب.
على الرغم من أن بوادر الصراع المحتمل على المياه استمرت لعدة أعوام، يبدو أن الإحباط بين السكان آخذ في الازدياد نتيجة تضاؤل فرص الحصول على المياه. ففي شهر يوليوز الماضي احتج مئات العراقيين ببغداد بسبب نقص إمدادات المياه وطالبوا الحكومة بالتصرف لحل تلك الأزمة. كما تظاهر سكان البصرة بشكل دوري نتيجة شح المياه. شهدت أيضا محافظة خوزستان في إيران احتجاجات كبيرة خلال الصيف كانت على وشك إطلاق حركة وطنية لكن سرعان ما تم قمعها ولقى ثلاثة مواطنين مصرعهم خلال الاحتجاجات. وتجمع منذ التاسع من نونبر الماضي، تجمع آلاف المواطنين الإيرانيين مرة أخرى للاحتجاج، هذه المرة في محافظة أصفهان، احتجاجًا على الجفاف المستمر لنهر زيانده رود منذ عشرين عامًا.
وفي شمال إفريقيا، هناك مخاوف- مصرية سودانية من الآثار السلبية لسد النهضة الإثيوبي الكبير على الأمن المائي لكلا البلدين. وفي ماي الماضي شهدت مناطق أبو زريقة في شمال دارفور، وجبال النوبة بالسودان احتجاجات واسعة النطاق بسبب نقص المياه، حيث اغلق المحتجون الشوارع وطالبوا السلطات بتوفير إمدادات المياه لهم. وفي الجزائر، قُتل 3 أشخاص خلال شهر يونيو من عام 2020 في اشتباكات مع قوات الأمن بولاية تمنراست احتجاجاً على قطع المياه عنهم. وحذرت منظمة “اليونيسف” من تعرض ليبيا لأزمة مياه طاحنة نتيجة حرمان حوالي أربعة ملايين شخص من الحصول على المياه النقية، وهو ما سيهدد حياة ملايين الأطفال لاحتمالية إصابتهم بأمراض الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي والإسهال.
 وهناك بالفعل أزمة مياه تهدد المنطقة بأكملها تستدعي انتباه الجميع بدون أي تهوين أو تهويل، بالتأكيد حان الآن وقت إبعاد كافة الخلافات والنزاعات مهما كان نوعها وآن أوان التعاون الإقليمي بين دول المنطقة بتشجيع ورعاية دولية للوصول لحلول سريعة ومستدامة لأزمة ندرة المياه، فالأمل للوصول بشعوب المنطقة لبر الأمان لم ينفذ بعد، بل مع “الدبلوماسية المائية” ويمكن إحداث تغيير إيجابي في ذلك الملف المصيري. وفى هذا الصدد نجت كل من إسرائيل والأردن في اتخاذ خطوات إيجابية، ولعل الصفقة التي تم التوقيع عليها من قبل الإمارات العربية المتحدة والتي تسمح ببيع المياه المحلاة الإسرائيلية والطاقة الشمسية الأردنية أحد أبرز الأمثلة على مزايا التعاون بين الدول بشأن هذه القضية الحاسمة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به في جميع المجالات.
بالإضافة الى ذلك، يمكن أن يتسبب التعاون المائي بين الدول بحدوث نهضة اقتصادية ومعيشية بالتوازي مع تخفيض حدة النزاعات السياسية بين الدول المتصارعة، فمثلاً، كانت مشاريع السدود تاريخياً مشاريع وطنية وكان التعاون محدود بين دول المصب، ولا سيما في حالات نهري دجلة والفرات حيث تسيطر تركيا وإيران على جزء كبير من تدفق المياه إلى سوريا والعراق. وتمتلك في المقابل مشاريع السدود المشتركة الواقعة في المناطق الحدودية بين العراق وإيران والأردن ولبنان وسوريا وتركيا طاقة مائية جماعية تبلغ 1400-1600 ميجاوات ومياه لري آلاف الهكتارات من الأراضي، مما يمكن أن يقلل من الأزمة المائية والغذائية لشعوب المنطقة.
وهناك مجال آخر للتعاون المحتمل يتمثل في ربط الطاقة الكهرومائية التي تولدها تلك السدود ببعضه البعض، وتلك القضية مرتبطة بشكل معقد بالإدارة المسؤولة لاستخدام المياه، وهو بدوره يتيح فرص استثمارية كبيرة لإقامة مشاريع صناعية وإنتاجية ضخمة تساهم في التنمية الاقتصادية ورفع مستوى معيشة المواطنين. وقد ظهر ذلك جليا مؤخراً بعد إعلان الإمارات وأمريكا وإسرائيل، عن إنشاء مجموعتي عمل ثلاثيتين أحداهما تخص قطاع “المياه والطاقة”.
قد يساهم التعاون بين دول المنطقة أيضا في حل مشكلة سوء استخدام الموارد الطبيعية وتقليل الفاقد من المياه، حيث أشار تقرير البنك الدولي أن المنطقة تشهد أعلى فواقد للمياه على مستوى العالم لتبلغ ما بين 80 إلى 177 متر مكعب للفرد سنوياً. ومن ثم، قد يؤدى هذا التعاون الى تغيير أنماط الاستهلاك ويحد من الأزمة، خاصة إذا علمنا أن أحواض المياه الجوفية المشتركة تغطي نحو 58% من المنطقة، وهو ما يوضح أن فرص التعاون المائي والزراعي وأيضا الاستثماري أكثر بكثير من دوافع النزاع.
سيكون التعاون الزراعي بين دول المنطقة هو التحدي الأكبر لإنقاذ أكثر من 55 مليون نسمة حوالي 20% من سكانها من خطر الجوع، ويزداد الأمر سوءاً عام بعد عام بسبب شح المياه والتغيرات المناخية المدمرة للمحاصيل الزراعية بالمنطقة، لذلك سيصبح خلال الفترة المقبلة لا بديل أمام دول المنطقة وشعوبها سوى تحقيق تعاون زراعي و غذائي متكامل، بحيث يسمح ذلك للدول التي تمتلك أراضي زراعية خصبة بإجراء شراكات مع البلدان التي لديها فائض مائي مناسب مع الاستعانة بالدول التي تمتلك تكنولوجيا زراعية متقدمة، وذلك بالتوازي مع إقامة منتدى زراعي دوري يسمح بتبادل الخبرات والاستثمارات بين دول المنطقة يضم ليس فقط الحكومات بل رجال الأعمال والعاملين بمجال الزراعة والمياه والغذاء، لإقامة مشاريع زراعية وغذائية مشتركة، فضلا عن التوافق حول وضع رؤية مشتركة لمواجهة التغيرات المناخية ونقص المياه وتحديات الأمن الغذائي، وهو بدوره سيؤدي لتنشيط التبادل التجاري بين دول المنطقة، ليساهم في توفير فرص العمل وتشغيل الطاقة المعطلة بمناطق البطالة، أي سيستفيد الجميع ليتمكنوا من استغلال مواردهم الطبيعية والبشرية بأفضل صورة ممكنة بعيداً عن الهدر أو الصراع.
تمتلك دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة عظيمة للتعاون المائي والغذائي الذي ربما يكون عامل أساسي في تغيير حياة شعوبها للأفضل، هناك دول غنية بالأراضي الزراعية وأخرى بالأيدي العاملة، وغيرها تمتلك تكنولوجيا متطورة فإذا تعاونت تلك الدول مع بعضها البعض من خلال مشاريع ري مشتركة، تحديث البنية التحتية، وتحسين الكفاءات الإدارية ورفع كفاءة المزارعين، والممارسات الزراعية والمائية، ربما يمكن أن تتجنب تلك المنطقة أزمة ندرة ونقص الغذاء والصراع على الموارد الطبيعية.
 

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button