غير مصنف

الوزير الأعرج..مشروع قانون”اللجنة المؤقتة”لتسيير مجلس الصحافيين تعطيل للعمل بالشرعية الدستورية

شدد وزير الثقافة والاتصال الاسبق والأستاذ الجامعي محمد الأعرج على أن “مشروع قانون “اللجنة المؤقتة” تعطيل للعمل بالشرعية الدستورية “، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بالنقاش الدائر حول الانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، والتي كان له شرف السهر على تنظيمها  بمقاربة تشاركية ، بمعية اطر الوزارة و الهيئات المعنية بالصحافة تحت إشراف لجنة يترأسها قاضي ممثل للسلطة القضائية، و التي مكنت المغرب يضيف الوزير الأعرج من الحصول على نقط متقدمة على الصعيد الدولي في حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للقطاع الصحفي .

وفي الورقة التالية التي ننشرها لاثراء هذا النقاش الساخن والدائر حول تعيين اللجنة المؤقتة لتدبير شؤون الصحفيين، تجدون توضيحات قانونية  أكثر من الأستاذ الجامعي ووزير للاتصال الأسبق  محمد الأعرج ، هذا نصها..

من أولويات وجود حياة دستورية و قانونية سليمة هو قيام دولة القانون والمؤسسات، لذا يفترض ان تسعى كل  دولة نحو تحقيق قانونيتها و لا تتحقق الدولة القانونية ما لم تتحقق جملة من المبادئ و القواعد و منها الالتزام بمبدأي الشرعية و المشروعية ، فالأول يعنى  بالهيئات العامة من حيث اختصاصاتها وصلاحياتها  ، فيما يتعلق الثاني بالقرارات و الأعمال الصادرة عنها.

وبقراءة متأنية للمواد الواردة في مشروع قانون رقم15-23 المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة. نخلص إلى ملاحظات على مستوى المنهجية والمسطرة في اعداد المشروع و إلى ملاحظات على مستوى المضمون تتعلق بالشرعية الدستورية و المشروعية القانونية لهذا المشروع .

في البداية لابد من إبداء رأي مختصر  بخصوص الجدل و النقاش السياسي الذي رافق مشروع هذا القانون، و خصوصا الآراء و التعاليق الصادرة من طرف جهات تنتقد مضمون إحداث المجلس الوطني للصحافة  و طريقة انتخابه وفي انتظار بلاغ المكتب السياسي للحزب و الذي سيتداول في الموضوع ، لابد من إبداء ملاحظات كوزير للثقافة و الاتصال سابقا و كذا كأستاذ جامعي.

فبخصوص مسؤولية الحكومة السابقة في إخراج هذا المجلس الوطني للصحافة إلى حيز الوجود ، يمكن دعوة المعنيين بالأمر إلى الاطلاع على مداولات  اللجان الدائمة لكلا المجلسين  ( مجلس النواب و مجلس المستشارين  ) أثناء المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر  خصوصا خلال السنة التشريعية 2015-2016 و الاطلاع كذالك على المواقف المعبرة عنها آنذاك  من طرف الفرق البرلمانية و التي أشادت في معظمها بإخراج هذا القانون إلى حيز الوجود تنزيلا لمقتضيات و أحكام الدستور ، و كذا الاطلاع على البلاغات الصادرة عن الهيئات و المنظمات الوطنية و الدولية آنذاك  و إشادتها سنة 2018 بالانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة و التي كان لي شرف السهر على تنظيمها  بمقاربة تشاركية ، بمعية اطر الوزارة و الهيئات المعنية بالصحافة تحت إشراف لجنة يترأسها قاضي ممثل للسلطة القضائية و التي مكنت المغرب من الحصول على نقط متقدمة على الصعيد الدولي في حرية الصحافة و التنظيم الذاتي للقطاع الصحفي .

أولا : ملاحظات على مستوى المنهجية و المسطرة المتبعة في اعداد المشروع :

يمكن اختصار هذه الملاحظات في ما  يلي :

الإخلال بالمناهج و المساطر المتبعة في اعداد مشاريع القوانين و خصوصا الإخلال بمضمون المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13.065 المتعلق بتنظيم و تسيير أشغال الحكومة و الوضع القانوني لأعضائها :

فأول ما يلاحظ بخصوص هذا المشروع على مستوى المسطرة المتبعة لتعطيل أحكام قانون المجلس الوطني للصحافة هو الإخلال بمقتضيات المادة 19 المشار إليها أعلاه و التي نصت على ما يلي : ” كلما اقتضت الضرورة ذالك و بموجب قرار رئيس الحكومة ، ان ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها .”

والحكومة قامت بالمصادقة على المشروع دون القيام بدراسة حول آثار القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة ، و هو يعد بحد ذاته  إخلال بأحكام القانون التنظيمي السالف الذكر والمسطرة الواجب إتباعها.

كما هو متعارف عليه في مناهج اعداد القوانين الجديدة ، يلزم دوما تحديد الأساس الدستوري و الشروط التي سيتم فيها إدراج المتون القانونية و كيفيات ربطها مع القواعد القانونية  الأخرى .

فبخصوص الأساس الدستوري للمشروع يطرح تساؤل جوهري حول إحداث لجنة مؤقتة.  فهل يندرج الأمر ضمن مجال القانون أو المجال التنظيمي  ؟ و السؤال الذي يطرح ينطلق من المرتكز الدستورى المسند إليه مشروع القانون “اللجنة المؤقتة ” . فإذا كان من الضروري سن قاعدة قانونية جديدة ، فانه من الملزم  التأكد من ان القاعدة ذات طابع تشريعي وليس تنظيمي. فهل يندرج المشروع ضمن الفصل 71 من الدستور وفي المجال المتعلق بالحقوق و الحريات الأساسية ؟، أم ضمن مجال إحداث المؤسسات العمومية و كل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام و هو المجال المحدد في الدستور ام لا ؟ ولكن بالرجوع إلى مقتضيات المشروع فهو يهدف إلى إحداث لجنة مؤقتة و بالتالي ليس بشخص اعتباري من أشخاص القانون العام و ليس بمؤسسة عمومية، ولا يندرج ضمن مقتضيات باب الحقوق و الحريات الأساسية  الوارد ضمن الباب للثاني من الدستور و بالأخص  الفصل 8 في  الفقرة الثالثة منه .  وبالتالي كان بإمكان إحداث هذه اللجنة بمرسوم وليس بقانون.

ويجب التذكير انه في الحالة التي يصعب معها وضع حدود واضحة بين المجال التشريعي و المجال التنظيمي، يمكن الرجوع وفق الممارسات الدستورية و القانونية الى الفصل73 من الدستور الذي ياذن للسلطة التنفيذية بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية ، فإذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها ”

الإخلال بمسطرة معاينة انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة بقرار معلل منشور بالجريدة الرسمية :

فعلى سبيل الاستئناس كان بالإمكان تطبيق مقتضيات المادة 9 من قانون المجلس الوطني للصحافة  في جزء منه الذي نص على مسطرة تعذر المجلس القيام بمهامه ، و تنزيلها من خلال نشر السلطة الحكومية المعنية  لقرار معلل بانتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة و نشره بالجريدة الرسمية قبل الإعلان عن مشروع قانون بإحداث لجنة مؤقتة .

الإخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة و السارية المفعول في حالة وجود قانون ينظم موضوع ما ، فانه وفق القواعد الدستورية يمكن بلوغ الأهداف المنشودة عبر تعديل مقتضياته فقط عوض سن قانون جديد موازي له دون وضع كيفيات التنسيق بين النص الساري المفعول و نص مشروع القانون  الجديد ، وهل العبارة الواردة في المادة الأولى من مشروع قانون  والتي نصت ” استثناءا من القانون 13.90″ كافية لبلوغ الأهداف المنشودة من المشروع واحترام  المساطر الدستورية؟.

  • الاخلال بقواعد ومنهجية صياغة النصوص التشريعية :

تقتضي ممارسة الصياغة القانونية السعي الى ضمان الامن القانوني ،  فالامر يتعلق بسن قواعد قانونية واضحة خالية من اللبس و قابلة للفهم من خلال البساطة و تجنب استخدام جمل  وعبارات طويلة التي تحتوي على العديد من العبارات العرضية كما هو ملاحظ في العديد من المواد الواردة في مشروع القانون ، مع استغناء المشروع على بعض المصطلحات التي يتم استعمالها أثناء صياغة مشاريع  قوانين جديدة ، وعدم استعماله للعديد من التقنيات و خصوصا تقنية ” بصرف النظر ” و التي تعني ان القاعدة المنصوص عليها تفرض نفسها دون ان تتمكن القواعد الأخرى من عرقلة نفاذها.

6- الإخلال بالأهداف المتوخاة من مشروع القانون الجديد :

المنهجية المتبعة في اعداد النصوص القانونية الجديدة، كما هو متعارف عليه قانونيا ، تقوم على تحديد أهداف الإجراء التشريعي بدقة و الخيارات التي يمكن بلوغها ، ويمكن الاكتفاء أحيانا بنسخ مقتضى قانوني ساري المفعول بغية إلغاء قاعدة معمول بها لأنها تطرح بعض الصعوبات . وهذه المنهجية منعدمة في إخراج هذا المشروع.

  • على مستوى مضمون مواد مشروع القانون :

اولا : تعطيل العمل بالشرعية  الدستورية.

من خلال قراءة متأنية لمواد المشروع نخلص الى استنتاجات هامة ، فهو من جانب تعطيل للشرعية الدستورية ، أي تعطيل العمل بأحكام الدستور و خاصة ما ورد في الفصل 28 من الدستور و كذا الباب الثاني المتعلق بالحقوق و الحريات ، و هي منهجية غير دستورية وغير  مطابقة  لأحكام الدستور . فتوقيف العمل بأحكام الفصل 28 الاستقلالية و الديموقراطية  لمدة سنتين يعني دستوريا التعطيل الدستوري الغير المشروع  لان هذا المشروع يهدف إلى تركيز السلطة في يد السلطة التنفيذية  عوض الإعلان عن انتخابات ديمقراطية و ما يترتب عنه  من اعتداء على الحقوق  و الحريات المضمونة بموجب نص دستوري  :

و كما هو معروف فان تعطيل الدستور باعتباره حالة معينة تتحقق على إحدى صورتين :

الصورة الاولى :

يتم ترك أحكام الدستور دون تطبيقها على الرغم من قيامها فتهمل أحكامه و نصوصه ولا تدخل حيز التنفيذ بحيث يكون وجود أحكام الدستور هو مجردا صوريا فقط.

الصورة الثانية :

ان يتم تنفيذ أحكام الدستور و نصوصه بالفصل و لكن ذلك يتم بشكل مختلف و مغايرا تماما عن المضمون الفعلي لها و الوارد بالوثيقة الدستورية.

فالفقرة 28 تنص بصريح العبارة : تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة و على أسس ديمقراطية …، فعدم الأخذ  بالاستقلالية و الديمقراطية هو تعطيل لأحكام الفصل 28 من الدستور و هي الصورة الثانية.

ثانيا  : خرق  للمشروعية القانونية

وهو ما يسمى بتعطيل النص التشريعي ، فمشروع القانون 15-23 سعى إلى تعطيل القانون 90.13 وهو نص موجود بوصفه كيانا قانونيا  و مجسدا داخل  المنظومة التشريعية ، الا ان المشروع جاء لإيقافه و تعطيله في الحياة الإعلامية و هذا في حد ذاته خرق للمشروعية القانونية  و للأحكام الواردة في قانون المجلس الوطني للصحافة ..

فمشروع قانون 15.23 هو مشروع جاء ليعطل نصا قانونيا قائما من خلال تضمين أحكاما جديدة تخالف أحكاما قانونية قائمة وواردة في مضمون  القانون رقم  90.13 من خلال تنصيص المشروع على عبارة استثناء الواردة في المادة الأولى  ، فهو لا يشير الى  التعطيل  بصريح العبارة أو  إلغائه و إنما أردف  النص بعبارة  غامضة و مبهمة كافية للقول بالتعطيل القانوني وخرق للمشروعية القانونية .

فالسلطة الحكومية ومن خلال مقتضيات المشروع  حاولت ان تفتح اوراشا لسن تشريعات جديدة  و في نفس الزمن و الوقت أيضا و خصوصا بعد إصدارها خلال شهرين لمرسوم قانون رقم 53.22 و الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 10 فبراير 2023 و متبوعا حاليا  بمشروع قانون جديد رقم 15.23.  و هذا معطى سلبي يؤثر  بشكل كبير في بنية هاته النصوص التشريعية ، ويستنتج من هذا الأمر ان الهدف بالدرجة الأولى باعث  سياسي ، و إغفال بذالك المصلحة العامة و المشروعية القانونية  لحرية الإعلام  و التنظيم الذاتي للقطاع و الذي سيتحمل تبعاتها لزمن بعيد فالمصلحة السياسية ظهرت من خلال التخلص من عبئ القانون القائم دون ان تعير السلطة  الحكومية اثرها السلبي على الحقوق والحريات و خصوصا حرية  الإعلام و الصحافة.

الخلاصة العامة : ان مشروع قانون  “المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة”  غير مبرر دستوريا و قانونيا و سياسيا . هل من صلاحيات المؤسسة البرلمانية المصادقة على اللجان المؤقتة و إنهاء مهام المؤسسات القائمة دستوريا و قانونيا طبقا لأحكام مقتضيات الفصل 71 من الدستور؟  أم ستلجأ السلطة التشريعية إلى تفعيل مقتضيات النظام الداخلي و التي تنص على مسطرة الدفع بعدم القبول الذي يكون الغرض منه الإقرار بان النص المعروض يتعارض   مع مقتضى او عدة مقتضيات دستورية ؟”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button