أخبارفي الصميم

حدود الفهم، أو حين يهمش القريب

بقلم: عبدالله العبادي

للأسف من المفاهيم التي نواجهها يوميا، حين يتم الحديث عن إمكانيات القريب، إما عائليا أو محليا أو وطنيا، والنظرة إلى الآخر، أي البعيد، تبدو دوما علوية – حتى ولو كانت لا تليق فعلا به-  مع شيء من النقص في الجانب الآخر أو الإحساس بالدونية، كلها أمور ولدت لدينا ، أحاسيس مختلفة مجدت الآخر وبطرق غريبة ومشينة في حقنا.

يكفي أن ترى صورتك في أعين أقربائك وصورتك مع الأغراب، الذي عاشروا كتاباتك، أعمالك، مشاريعك أو اهتماماتك المختلفة، ستجد فرقا شاسعا بين التصورين. فالقريب يرى فيك دوما، ابن العائلة أو الحي، والذي لا يرى أو لا يريد أن يرى ما حققته، بقصد أو بدون قصد، والآخر يرى فيك الناجح المميز والعديد من الكفاءات التي تميزك.

ذ. عبدالله العبادي

هذا التعامل مع الشخص القريب ومع الآخر، ولد لدينا في مجتمعنا العربي، الهروب نحو اختيار الآخر كأفضل من ابن البلد في حالات كثيرة، كلما تعلق الأمر بمدرب وطني أو إطار عالي لتسيير منشآت كبيرة أو مطارات ضخمة، رغم توفرنا على طاقات عربية شقت طريقها في كبرى الجامعات والمختبرات والشركات الغربية  والعالمية.

مفارقة عجيبة نعيشها أحيانا، بين من يعرفك جيدا وربما منذ الصغر، ولا زال راسما عنك ذكريات مختلفة وبكل أشكالها، وآخر لا يعرفك إلا من خلال عملك وسيرتك الحالية، فهو يرسم عنك اليوم صورة نموذجية لرجل أعمال أو كاتب أو طبيب أو تاجر أو أو…

هذه المفارقة نفسها التي نسقط فيها يوميا حين نتحدث عن بعضنا، ففنان الحي لا يطرب، كما يقال، نبحث عن الفن عند الآخر أي عند البعيد، وكأننا مللنا من هذا الذي يوجد دوما هنا وبقربنا، وأحيانا نتطاول عليه ونستخف به وبما حققه. الأمر الذي قد نفسره باطنيا في علم النفس، بأن الاعتراف بما حققه، سيحيي فينا فشلنا، أو عدم تحقيق ما وصل إليه القريب.

فحتى من داخل العائلات، يبدأ صراع كبير بين الإخوة والأخوات أو أيضا أبناء العمومة، حول مستوى الأطفال التعليمي ونتائجهم والمدارس التي يلجونها ومستقبلهم، وما إلى غير ذلك من النقاشات التي تنم عن صراعات دفينة وعميقة فيها الكثير من الغيرة والحسد وفي أحيان أخرى خبث كثير. الصراع نفسه، يصل إلى الزواج والأعراس والمنازل وصراع من الأفضل، وتربص الفرص للشماتة والتشفي.

فالطبيعة البشرية، تقتضي ربما، أننا لا نقارن أنفسنا بالغريب، لكن القريب نعم وفي كل حين، لا نقارن أنفسنا بعلماء وكتاب مرموقين وأثرياء من مناطق جغرافية أخرى، لكننا نريد أن نعرف كل شيء عن ذاك القريب الذي يشق طريقه نحو النجاح، ونطرح العديد من الأسئلة، كيف له أن يفعل ذلك، وهو ابن العامل الفلاني، أو  السيدة التي ربته يتيما، أو ابن الحارة المشاغب الكسول …

هل هي آفة، أم الجهل، أم أزمة وجود حين يتعلق الأمر بالقريب، أو طريقة صريحة لتجاهل تفوقه حتى لا نعترف بفشلنا ونحن الذين اقتسمنا معه نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهو الآن يحاول الوصول للقمة ونحن لا زلنا في أسفل الجبل، ونحن الذين كانت لنا نفس البدايات، لكن اختلفنا وتفارقنا في فهم الوصول للنهايات. 

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button