أخباركلام والسلام

التلاميذ الكبار

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي،(1979) ونحن نلج السنة الرابعة إعدادي ، نحن خمسة تلاميذ كنا نمتلأ معرفة من كتب الأدب والفكر والفلسفة التي كانت تزهو بهم مكتبة بلدية تازة. كنا نقضي أوقات فراغنا بين رفوف هذه المكتبة نرتشف منها العلم والمعرفة، كما ترتشف الفراشة رحيق الأزهار وهي مزهوة بتحليقها فوق الحقول. كذلك، كنا وفي جو حماسي وطفولي “مسؤول” نختار من الكتب ما يغذي فكرنا وييسر أمر فهمنا حين العرض وأثناء مناقشة العروض التي كنا ننجزها على مدى أسبوع بشكل متوالي..

 كنا نناقشها نحن الخمسة الصغار سنا والكبار “نقاشا”، فقط. وكان لا يفارقنا كل مساء سبت “مْقدَّم الحي” بدار الشباب أنوال بتازة، يدبج تقريره الشفهي. ولأنه كان غير متعلم كفاية، غالبا ما كان ينصرف قبل نهاية مناقشة عروض “التلاميذ الكبار”، لينقل تقريره إلى رئيسه قائد المقاطعة !!!؟؟؟.

فكرة الاجتماع بدار الشباب “أنوال” والحرص على مناقشة عروض فكرية كل مساء سبت، كانت تلقائية وبدون دراسة أو مقدمات، إنما كان الحافز الأساس فقط طموح طفولي يبحث عن كوة ضوء يفرغ من خلاله ما امتلأ به جبه المعرفي أمام زملائه، وكل منا يسعى إلى التفوق على الآخر في استعراض معلوماته وأفكاره. 

دار الشباب. أنوال. تازة

وبما أن المكتبة لا يمكنها أن تحتضن اجتماعاتنا، فكرنا في دار الشباب باعتبارها فضاء للطفولة والشباب، واحتضنتنا على مضض لهاجس الخوف آنذاك من التجمعات والنقاشات حتى في دور الشباب، لذلك سمحت بحضور ممثل سلطة للاستماع إلى طرحنا الفكري الطفولي…

ما يستوقفني خلال مشاركتي لكم هذه المحطة الطفولية الحماسية الجميلة من عمري هو نوع المواضيع والأفكار التي كانت تتناولها عروضنا كل أسبوع مثل “المجاعة في افريقيا” و”الحقوق والحريات” و عوالم الشعر والأدب. وهي مواضيع أكبر من مدارك أطفال قد أشرفوا على تجاوز عقدهم الأول فقط. ومقارنتها بما تعيشه طفولتنا الآن من تيه في وسائط تواصلية اجتماعية وعوالم تقنية ورقمية جد متطورة تقرب لك المعلومة والمعرفة حيث ما كنت، ولن تجهدك في البحث عنها في رفوف المكتبات، كما في هذه المرحلة التي أتحدث عنها.

وبالرغم من ذلك، تجد طفل اليوم وقد استباحته المعرفة المخربة أكثر من المفيدة، وهو لم ينهي بعد نصف عقده الأول، ما يفرض حرصا شديدا من الأسرة لتوجيه وتقويم السلوك المعرفي للطفل، ما يجعله يسعى إلى خلق نقاش واسع ومفيد حول مواضيع تخصه ومحيطه مثل ما كان يفعل الخمسة ” التلاميذ الكبار”، التي تحدثت عنهم في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button