أخبارسياسة

السياسيون وهدم الذات “ما الحل”؟

فالعالم القديم انتهى، والعالم الجديد تأخر في الظهور وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش، على حد تعبير أنطونيو غرامشي. فهل سيبزغ الفجر قريبا أم سيطول الظلام وتتناسل الوحوش ….

العديد منا يتساءل اليوم عن واقع الأحزاب السياسية، والكثير منا يراها اليوم تمتهن التسول السياسي، وتحاول جاهدة إقصاء الأطر والكفاءات المناضلة لأنها بصريح العبارة تشكل الإزعاج المستمر لأصحاب الحزب وورثته. فأفكار البارحة ربما لم تصلح اليوم، وشعارات الأمس لم تعد صالحة اليوم، التدبير السوي للشأن العام يتطلب التماشي مع الواقع وحاجياته ومتطلباته.

ما أضعف الأحزاب في السنين الأخيرة وخصوصا اليسارية منها، هو الهجرة الانتخابية بحثا عن التزكية، وهو ما أدخل العديد من المنتخبين إلى أحزاب لا تربطهم بها أي صلة ولا مبادئ، الشيء الذي أدى إلى تمييع الحياة السياسية وأفقدها رونقها رغم كثرة الأحزاب واختلافها.

في المدينة الفاضلة لأفلاطون، يسأل أحدهم سقراط الحكيم، عن التنوع الذي يطبع المدينة بمختلف أطيافها، ألا يقوم ذلك برهانا على صحتها ودليلا على حيويتها؟ فيجب الحكيم سقراط، فيلسوف أثينا، إن الثوب المزركش يروق للأطفال والنساء، وللأغرار عموما، ولكنه توطئة لكل الأخطار ومطية للاستبداد.

إنه حالنا اليوم، سواء الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية ذات التاريخ العريق أو الأحزاب الأخرى، كلها تعيش أزمة بنيوية وصراعات داخلية على كراسي القيادة والتنظيمات التابعة لها، فحتى الأحزاب اليسارية كالإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مثلا، تاريخ ومدرسة النضال وواضع القيم المجتمعية والسياسية، يعيش ضعفا كبيرا، يتمثل في غياب كاريزما قيادية بحجم السي عبدالرحمان اليوسفي أو السي عبدالرحيم بوعبيد.

فوضع الأحزاب في مغرب اليوم، المغرب المتجدد التواق للمضي قدما في بناء حداثي عصري، أرى أنها متأخرة عن اللحاق بالدينامية المجتمعية الإيجابية، التي تريد تحقيق نقلة نوعية وتطور هادئ وسلس نحو غد أفضل بعيدا عن الاحتقان. واستمرارها بنفس الطريقة والأسلوب لن يزيد إلا من نفور الشباب للسياسة وسخطهم على واقع الأحزاب وربما يدفع إلى العمل من خارجها وبعيدا عن كل التنظيمات الحزبية.

الأزمة التي تعيشها جل الأحزاب المغربية اليوم، هي من أهم قضايا هدم الذات التي يمكن أن تعيشها التنظيمات السياسية، لأنها تقاوم التغيير وتحاول العيش كما هي حتى ولو كان ضارا لمستقبلها، إنها تتعايش مع الوضع القائم حفاظا على مصالح النخبة القيادية للتنظيم.

فالأحزاب في مجملها تنشأ وتتطور لتؤثر في المشهد العام وتحاول المساعدة على تطويره أو تغييره إن اقتضى الحال، إنها الروح التي يعيش بفعلها العمل السياسي السوي، وعليها أن تتأقلم دوما مع المحيط الذي تعيش فيه، والمهام الجديدة التي يجب أن تتبناها وتدافع عنها.

الأكيد أننا نعيش اليوم في عالم سياسي بدون معالم حقيقية، اختلط فيه اليساري باللليبرالي باليميني، كلها سواسية، لم تعد تفصل بينها الكثير من الأمور، ولم تعد تدافع عن المبادئ بقدر بحثها عن مصالح شخصية، إلا لدى القليل من المناضلين الشرفاء الذين لا يزالون يؤمنون بالمشروع الفكري الذي يدافعون عنه ويؤمنون بأن مصلحة الوطن قبل كل شيء.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button