أخبارالرئيسيةثقافة و فن

القصة الأخرى للصرار و النملة

قصة قصيرة: بقلم / محي الدين الوكيلي

كعادته خرج الصرار الصغير صباحا في كامل لباسه الأنيق، أصوات الموسيقى تسمع من بعيد. كلما تلقفت أذن النملة الصغيرة هذه الموسيقى كلما أحست بنوع من الظلم. ظلم الحياة التي جعلت الصرار الصغير يعيش حياته على عواهنها بينما هي مضطرة للعمل من الصباح الباكر حتى آخر النهار. كانت الأم واعية بما يدور في مخيلة النملة الصغيرة، لهذا كانت تذكرها بمآل أجداد الصرار الصغير و كيف أصبحت حالتهم تحزن العدو قبل الصديق حين وصل فصل الشتاء و لم تجد عائلة الصرار ما تعول به أفرادها. لم يكن لهذا الكلام أي أثر على النملة الصغيرة فهي لم تعش لحد الآن هذه التجربة و كل ما تراه و تلمسه هو حياة الفرح و البهجة التي يعيشها الصرار الصغير منتقلا بين الأشجار و الأزهار و ما تعيشه هي من انضباط داخل الصفوف المتراصة لجيش النمل ذهابا و إيابا بين الحقول و منازلهم المحفورة في باطن الأرض.
رغم الألم الذي كان يعتصر قلب النملة الصغيرة حين تلتقي بالصرار الصغير من حين لآخر فإنها كانت تشفق عليه و تعزي النفس بالإنقلاب الذي سوف تعرفه حياتهما مع ذهاب فصل الصيف و قدوم فصل الشتاء. كانت كلما تهكم عليها الصرار الصغير و هو ينط يمينا و شمالا تذكرة بالغد القريب حيث لا حياة إلا لمن جد و كد في النصف الدافئ من السنة.
مرت الأيام و تبدلت معها الأحوال، ذهب الصيف بحرارته و ضيائه و أتت الشتاء بقسوة طقسها و قصر نهارها. أصبحت النملة الآن أكثر نضجا و قد اشتد عودها و كبر قوامها. كسائر النمل اختبأت النملة في الحفر العميقة التي هندس لها جيش النمل قبل مجيئ الشتاء. كان الغذاء متوفرا و المكان دافئا. في لحظة شرود خيل للنملة و كأنها تسمع صوت موسيقى معتادة على سماعها. أرهفت السمع أكثر لتتأكد أنه صوت صديقها الصرار. لم تصدق في البداية، فالحكاية تقول أن الصرار في هذا الوقت إما قد هلك و إما أنه يشحت الغداء و الدفئ عند باقي الحيوانات. قفزت من مكانها و خرجت مسرعة. كم كانت مفاجأتها صادمة و هي ترى الصرار بلباس صوفي جميل زادته الألوان المتناسقة التي أختارها له الصرار تألقا.

من أين لك هذا؟ كيف فعلت ؟ أمي أخبرتني بغير ما أرى؟
كان الصرار يستمع إليها بازدراء. وبثقة زائدة أخبرها أن الأمور تغيرت عما عاشته أم النملة. لم يعد الصرار في حاجة للعمل في عصرنا الحاضر .

و كيف تعيش؟ و من أين لك أن تشتري هذه الثياب الدافئة و الجميلة؟

لحسن الحظ أن الحيوانات اعتادت على السهر و الحفلات، الآن لا يمر يوم دون أن أكون مدعوا لتنشيط حفل من حفلات الغابة، أو سهرة من سهرات الحيوانات الغنية.
كان الإحباط باديا على وجه النملة و لكي يخفف عنها، دعاها الصرار لحضور سهرة سينشطها اليوم. وافقت النملة بدافع الفضول. لبست لباسا دافئا و سارا معا للحفلة المرتقبة.

في وسط الغابة كانت الأضواء تنبعث من بعد . الحشرات المضيئة تجعل من المكان مسرحا جميلا متألقا. على الجنبات جلست الحيوانات مقابلة لمنصة صغيرة نصبت للصرار و فرقته. بدأ الحفل، و كلما مرت الفقرات و ارتفع صياح الجمهور طربا كلما زاد حزن النملة. لم تكن النملة حزينة فقط لأن المستقبل الذي تحدثت عنه أمها مغاير لما تراه الآن، كانت حزينة لأن الحيوانات أصبحت تطرب لصوت الذباب و الناموس و الغراب. لم تستطع النملة أن تقاوم، نظرت يمينا و يسارا، في مكان قريب كان القرد يلعب بقارورة مبيد للحشرات لا تدري من أين سرقه. أخدت القارورة و داست بكل قواها على الزناد في إتجاه المنصة. كانت تعرف أنها سوف تموت لكن عزاءها أنها حاولت إنقاذ الغابة من عالم التفاهة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button