أخبارتقارير وملفات

حراك 25 جويلية: البُنية والفكرة والمآل المرتقب

بقلم: علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي

تعددت مطالبه المبهمة ويُريد أن يكون “تجمع2” عبر إحياء “لجان الرعاية” سيئة الذكر.

أولا،غداة اعلان الرئيس “سعيد” عن حركته/انقلابه في 25-07-2021  ظهرت كثير من الأجسام والتنظيمات السياسية وكأنها فقاقيع تم برمجة ظهورها أو اعدت في مخابر بعينها وذلك لا ينفي أن بعضمنهاكان نتاجا طبيعيا لطبيعة المشهد السياسي التونسي ما بعد انتخابات 06 أكتوبر 2019 الا أن أغلبها طُرحت بشأنها تساؤلات عدة خاصة وسط غموض مطالبها ودعواتها خلال الشهور الماضيةوالواقع أن أغلبها يغلب عليها اسناد المنظومة الجديدة وان عمدت بعضها لاحقا لتكرار الدعوات حول قضايا وملفات عدة بل وحتى توجبه انتقادات لحكومة “بودن” وحتى للرئيس “سعيد” نفسه…

ثانيا،لعل المثال الأكثر وضوحا في ما ذكرناه سابقا هو “حراك 25 جويلية” وذلك نتاج تعدد ندواته الصحافية ومطالبه ودعواته، وهو حراك مثير للجدل خاصة في ظل تواجد مؤسسه وأمينه العام “ثامر بديدة” في الخارج ومعلوم أن هذا الأخير هو أكثر جدلا من حراكه/تنظيمه نتاج ما شاب مسيرته منذ نهاية 2017 حتى اليوم وكثرة أنشطته على الشبكات الاجتماعية قبل وبعد 25-07-2021 خاصة وان مواقفه تراوحت من النقيض الى النفيض…

  • ثالثا،تجيب قراءة الحال على الأسئلة التالية:
  • سؤال أول: ما هي خلفيات وأبعاد دعوة “الحراك” الأخيرة والقاضية بمنع أعضاء المجلس البلدية من الترشح؟-وهو ما لم يشر اليه القانون الانتخابي والذي عدد صفات ومهن الممنوعين من اسلاك أخرى-
  • سؤال ثان:ما هي طبيعة وبنية وفكرة التنظيم/الحزب ان صح أن له فكرة وخاصة في ظل مطالبته بإحياء لجان الرعايا وعسكرة الحياة السياسية؟

** الدعوة الأخيرة تكشف بُنية “الحراك” الفكرية والسياسية وحقيقة مواقفه واصطفافه

  1. حراك 25 جويلية: البُنية والفكرة
  • أولا،تم الإعلان عن “حراك 25 جويلية” من بين تنظيمات وتشكلات سياسية وميدانية أعلنت مساندتها لمنظومة 25-07 دون ان تعلن انه وقع تقنينها كأحزاب، يل أنه دخل مباشرة في اعلان المواقف وتنظيم تحركات والاصطفاف في هذا الموقف السياسي او ذلك وان كان تأسيس حزبين تحت مسمى “الشعب يريد” كما ناور بعض أعضاء سابقين في أحزاب فشلت في التموقع في المشهد على غرار “مشروع تونس” (بقيادة مسحن مرزوق) والوطني الحر (بقيادة سليم الرياحي) حيث أسس عضو سابق بالحزب الأول ما يسمي بحركة “التحدي” واسس المدعو “سرحان الناصري” ما يسمى بــــ”الائتلاف من أجل تونس” وهما مثالين للذكر لا الحصر وكل تلك المسميات ركبت الموجة لا أكثر ولا اقل وستبقى أسماء بدون مسميات… 
  • ثانيا، بقي مواقف الحراك عامة واصطف ضمن معركة التباينات التي حدثت داخل مربعات منظومة 25-07 واعتمد منطق تهميش قيادات التنسيقيات واستهدافها عبر خطاب فايسبوكي واعتمد في البداية على قدرة امينه العام على بث خطابات تحريضية ضد منظومة ما قبل 25-07-2021وعبر سيل من الشتائم ضد الجميع دون استثناء كما عمد الى تعداد المعطيات ذات الابعاد الأمنية والسياسية بغض النظر عن صحتها من عدمه، ولاحقا بقي الحراك في وضعية غموض بعد استقالة رئيسة الديوان الرئاسي خاصة وانه موضوعيا محسوب عليها بحيث بقي هو في حالة نشاط مع الميل لانتقاد المسار منذ تلك اللحظة رغم ممارسة المناورة في هذا الاتجاه أو ذلك وبيان أنه لا علاقة بينهما ( عكاشة –القيزاني…)…
  • ثالثا،انكشفت أفكار الحزب وطبيعة تركيبته غداة مطالبته بإحياء لجان الرعايا وبذلك تبين ان جذور الحارك متربطة عضويا وفكريا وسياسيا بمنظمة القديمة وبارونات الدولة العميقة ذلك ان ما سمي في نهاية الخمسينات وبداية الستينات بـــــ”لجان الرعايا” هي التي اجرمت في حق اليوسفيين والنقابيين وكل معارضي النظام يومها، وهي خلايا إجرامية شكلها مدير الحزب يومها “محمد الصياح” والذي يُعرف بأنه أحد اهم وزراء تشددا تجاه المعارضين وهو الذي عرف بحكاية “فردة الحذاء” (حلول ايهام بورقيبة انه عثر على حذاء له ايام  قيادته للحزب في فترة الاستعمار الفرنسي)
  • رابعا،من خلال استقراء مواقفه أو هوية بعض أعضاء المكتب الوطني يتبين ان هناك مساحة كبيرة لأعضاء كانوا في هياكل “التجمع المنحل” ولعل المثال الأبرز هو أحد الذين أشرفوا على ندواته الصحفية وتكلموا باسمه لمدة أشهر أي “عبدالرزاق الخيلولي” وبالتالي فنية “الحراك” تقوم على العودة الى مربعات مؤلمة في تاريخ تونس من حيث هوية عناصر كثيرين منه وفي غموض وجدلية امنيه العام وفي مطالبه المبهمة والخطيرة والتي تقوم في اغلبها لعسكرة الحياة السياسية وفي اقصاء الآخر المختلف وفي احياء ممارسات انتفض التونسيين حولها ….
  • خامسا، هناك تساؤلات عدة حول بعض مواقف سابقة لقياداته على غرار لماذا سارع أحد أعضاء مكتبه الوطني بالقول أيام بعد اغتيال “الزواري” ان الموساد الإسرائيلية لا تقف وراء عملية الاغتيال؟(وهو ما ثبت أنه غير صحيح بعد سنتين)، ثم كيف يدعي نفس ذلك القيادي أن “حركة النهضة” اعدمت الأدلة المتعلقة بالتسفير وكيف لا يقدم تلك المعطيات للتحقيق خاصة وانه تراس لمدة سنوات جمعية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة؟
  • حيثيات وتفاصيل دعوة”الحراك” إقصاء أعضاء المجالس البلدية الحاليين من الانتخابات القادمة…
  • أولا، قال عضو المكتب السياسي لحراك 25 جويلية، حاتم اليحياوي، “إن الحراك يبارك المرسوم الانتخابي الجديد، رغم احترازه من بعض النقاط التي تحتاج إلى مراجعة وأهمها ألا يسهّل هذا المرسوم تدفّق المال الفاسد خلال الانتخابات القادمة (17 ديسمبر 2022) وكذلك بعض الصعوبات المتعلقة بالتزكيات”، وأضاف اليحياوي في تصريح له لوكالة الانباء الرسمية التونسية(وات)الثلاثاء الماضي خلال ندوة صحفية عقدها الحراك لإبداء موقفه من المشاركة في الانتخابات ومن قضايا أخرى، أن المرسوم الانتخابي عمل على تكريس مبدأ حياد الإدارة، من خلال منع الولاة والمعتمدين، من الترشح للانتخابات، قبل مرور سنة من انتهاء وظائفهم، “إلا أنه غفل عن منع أعضاء المجالس البلدية والنيابات الخصوصية”.
  • ثانيا،في نفس السياق قال القيادي في الحراك “إن المرسوم اهتم بحياد الإدارة المركزية والمحورية وأهمل الإدارة اللامركزية والمحلية، حين غفل عن تحييد البلديات والنيابات الخصوصية وأعضائها “، داعيا إما إلى إدخالهم في نفس الفئة الممنوعة من الترشح، مثل الولاة ورؤساء المعتمديات، أو حل هذه النيابات، “لأنها تتمتع بدعم الإدارة وبصلاحياتها ووسائلها”، وأضاف أن تمكين أعضاء المجالس البلدية والنيابات الخصوصية من الترشح أثناء مباشرتهم لأعمالهم، “فيه تجاوز لمبدأ حياد الإدارة ومبدأ المساواة بين جميع المترشحين، لأنهم يتمتعون بصلاحيات وإمكانيات كبرى، نرفض استغلالها خلال الانتخابات”.
  •  
  • حراك 25 جويلية ومستقبله في المشهد السياسي
  • أولا،بخصوص مشاركة حراك 25 جويلية في الانتخابات التشريعية القادمة، بيّن “اليحياوي” أن الحراك انطلق في تحديد قائمة المترشحين وحصرها وكذلك تحديد الأولويات في كل جهة، إلى جانب العمل على إعداد برنامج انتخابي موحد وشامل بالنسبة إلى المترشحين، وأوضح في ذلك الصدد قائلا: “كل مترشح يتحدث باسم جهته ويُعد برنامجه الانتخابي على ذلك الأساس وبناء على مشاريع محلية وجهوية تحتاجها دائرته الانتخابية، ونحن نعمل حاليا على تجميعها ضمن برنامج موحد للجمهورية الجديدة على مستوى وطني”، وأن الحراك كمشروع وطني يجب أن يتحرك في اتجاه إصلاح الدولة ككل، ينطلق من الدوائر الصغيرة لكن يجب أن يكونذلك في إطار مشروع وطني واحد”.
  • ثانيا، حراك 25 جويلية حراك ناشئ منذ أكثر من سنة وهو تطوير لحراك جمعياتي سابق على حركة 25-07 -2021 وهو حراك يتسم بالغموض ويُغير الفاعلين وخاصة الناطق الرسمي له ويعيش خلافات وتباينات له حيث ان أكثر المتكلمين باسمه في السبع الأشهر الأولى هو “خالد الهرابي” (أصيل القيروان)، ثم ظهر في الندوة الصحفية السابقة وإثرها النائب السابق في المجلس التأسيسي “عبدالرزاق الخيلولي” (وهو كما سلفنا تجمعي سابق) والذي توارى أخيرا ليظهر في الندوة الأخيرة الأستاذ “حاتم اليحياوي” والذي كان منذ سنوات رئيسا لمرصد مكافحة الإرهاب والتصدي للجريمة المنظمة وهو محام وله شركة محاماة في ولاية منوبة وتحمل تسميتها لفظ “المغرب العربي”…
  • ثالثا،كما بينا سابقا وحتى استقالة مديرة الأمن الرئاسي السابقة “نادية عكاشة” اتسمت مواقف الحراك بالمساندة التامة للرئيس “سعيد” الا أن مواقفه النقدية بدأت في التنامي في أكثر من ملف منذ بداية 2022 (أي تقريبا منذ استقالتها) بل ووصلت الى حدود التهديدات واشتراط إجراءات بعينها كما أنه أكثر المنادين بالاستئصال والاقصاء لخصومهم وخاصة للتيار الاسلامي (النهضة تحديدا)، ومن ثم تعددت دعواته وخاصة بشأن القانون الانتخابي والحكومة وملفات أخرى عديدة وكانت آخر دعواته السابقة هي ضم عسكريين للحكومة وعسكرة قطاعي المعتمدين والولاة، ولكن استهداف الرئيس “سعيد” وحكومته توقف منذ أسابيع بعد لقاء مع شقيق الرئيس “نوفل سعيد” (طبعا حسب ادعاءات  أمين عام الحراك “ثامر بديدة” يومها) وهو ما لم يدم طويلا وتم استئناف الدعوات وانتقاد الرئيس “سعيد” وحكومته عبر الشبكات الاجتماعية….       
  • رابعا، في نفس الندوة الصحفية سالفة الذكر  تحدّث “الحراك” عما اعتبره “مظلمة مُسلّطة على أمينه العام، ثامر بديدة “ (قدموه على أنه مدوّن مُقيم خارج أرض الوطن)، وقالوا انه صدرت في حقه بطاقة جلب دولية، ودعا حاتم اليحياوي إلى رد الاعتبار للأمين العام للحراك والذي قال إنه “يواجه فلول القضاء الإخواني(حسب عباراته) والذي يُريد حسب “اليحياوي”تحريك الملفات والدعاوى السابقة، رغم أنه تحصّل قبل خروجه من تونس في 2018 على بطاقة عدد 3 خالية من السوابق وإقرار بالحفظ صدر في جميع القضايا الموجهة ضده”، مطالبا بتوفير الحماية الجسدية لثامر بديدة الذي أكد استعداد للعودة إلى أرض الوطن، إلى جانب الدعوة إلى توفير ضمانات المحاكمة العادلة له، وبخصوص التهمة الموجهة لبديدة بالتآمر على أمن الدولة، أوضح “اليحياوي” أنها “ليست قضية جديدة، بل هناك من قام بتحريك الملف وإسناد هذه التهمة لبديدة وهو خارج التراب التونسي”، مضيفا أنه إذا تمت محاكمة مدوّن من أجل أفكاره، “فإن ذلك بمثابة التعدّي على حرية التعبير وحرية الصحافة”، وهنا نسي اليحاوي ان يقول للتونسيين وان بديدة قد حوكم في قضايا حق عام تتعلق بهواتف منخرطي احدى التعاونيات الأمنية وأن التحقيقات معه قد أشارت الى أنه رغض القيام بالمهام المسندة له إداريا عندما كان عونا في قطاع السجون…
  • خامسا، كثيرة هي مغالطات اليحياوي في الندوة الصحفية، حيث قال أن ثامر بديدة تحدّث كمدوّن وليس كأمين عام لحراك 25 جويلية”، وقال “إن رئيس الجمهورية، باعتباره الراعي للحقوق والحريات والضامن لها وفق الدستور، فهو مطالب بالتحرك لرد الاعتبار للمدون ثامر بديدة وكل المدونين التونسيين وحماية حقوقهم والحفاظ على حريتهم”.، وكان ثامر بديدة نشر فيديو مباشر على صفحته الشخصية، على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، قال فيه بالخصوص موجها الحديث لرئيس الجمهورية “إلى الرئيس الفاشل وبائع المسار، قيس سعيّد أعطيناك الدعم والشرعية فأعطيتنا الفشل وندعو الجيش إلى مسك الحكم وحماية المسار ومنع عودة المنظومة قبل 2 أكتوبر 2022”.

** الحراك ومآلاته المستقبلية ولماذا يريد ابعاد أعضاء المجالس البلدية 

  • أولا،من الطبيعي ان ينتبه ويركز حراك 25 جويلية موضوعيا على أعضاء المجلس البلدية وخاصة الرؤساء منهم بالذات ذلك انهم بنوا موضوعيا شبكات اجتماعية قوية وهم قريبين من المواطنين وقادرين على جمع التزكيات (وفقا للمرسوم مطلوب 400 تزكية)وهناك موضوعيا حوالي 400 بلدية في تونس بينما عدد أعضاء المجالس البلدية يعدون بالآلاف وهو ما يغني انهم سيكون أقرب للناس من تنظيم انشاء حديثا وله نية السيطرة على المجلس الجديد وأيضا على الغرفة الثانية (مجلس الجهات والأقاليم) …
  • ثانيا، رؤساء البلديات وفي ظل الازمة السياسية هم من خبروا حركة المجتمع وآماله وآلامه اليومية وحاجاته وخبروا شبكة العلاقات الاجتماعية وطبيعة الخدمات التي يحتاجها الناس يوميا خاصة وان اغلب رؤساء البلديات قد صعودا بعمليات سياسية توافقية وهو ما يعني ان علاقاتهم متشعبة ويمكنهم فعليا الفوز في الانتخابات القادمة بسهولة ويسر كبيرين…
  • ثالثا، الخلاصة أنه لا خلاف في أن “الحراك” في حالة تجاذب داخلي (تعدد الناطقين الرسميين باسمه)، وهو خليط بين أمنيين متقاعدين وأعضاء خلايا الحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع “زين العابدين بن علي” وقريبين من النظام السوري فكريا وسياسيا، وأن مكوناته هي في حالة صراع داخلي وان الحراك ذاته هو في حالة صراع محموم مع أعضاء التنسيقيات المناصرة للرئيس “سعيد”، واستراتيجية الحراك تقوم على نية الهيمنة واكتساح المجلسين التشريعيين، ولكن العوائق أمامه عديدة ,اغلبها ذاتي نتاج طبيعة بنيته وتكوينه وطبيعة الأفكار التي يستند اليها وهو تنظيم سياسي وظيفي، وهو يريد حل أزماته الداخلية عبر دعوات الى إجراءات بعينها ( عسكرة الحياة السياسية مثالا)، وهو يخشى من مشاركة مفترضة من قريبين من “حركة النهضة” و”الدستوري الحر”(معلوم أن هذين الحزبين أعلنا انهما لن يشاركا فيها)، وهو ما يبرر خطابه تجاه الحزبين وخاصة ضد الحزب الإسلامي والذي سبق ان طالبه في بداية السنة الحالية بحل نفسه (وهي دعوة لا تحتمل الا نية أخذ مكانه في الصدارة) كما يخشى ان تنتصر إدارة السلطة الحالية (معتمدين وولاة وعمد) للتنسيقيات على حسابه أو تكون نتائج حرب الشقوق في السلطة الحالية على حسابه سوى تم اتوافق بينها أو انتصر جناح من أجنحتها، وفي الأخير يمكن القول ان المآل المرتقب لحراك 25 جيولية هو الانقسام والتشظي والاندثار بغض النظر عن مستقبل المشهد السياسي التونسي   …

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button