أخبارسياسة

السياسات الإصلاحية بالمغرب بين منظورين

يهيمن منظوران على واقع السياسة الإصلاحية بالمغرب منذ حوالي عقدين من الزمن ويعبران بدقة عن المشهد السياسي الراهن. المنظور الأول وهو الحركة الإصلاحية التي يريدها الشعب ويقودها الملك، والمنظور الثاني وهو الركود والذي تعبر عنه كل الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها والتي أصبحت خارج إطار الزمان والمكان. ولا يهمها سوى خرجاتها الإعلامية ومصالحها الضيقة وإيديولوجياتها الفارغة من كل برنامج يمكن أن يساعد في إكمال المسيرة الإصلاحية التي بدأت مع بداية القرن.

فبين المنظورين صراع قوي بين تطلعات مجتمعية مشروعة وواقع سياسي وحزبي ميؤوس منه دخل عالما مظلما من الصراعات الداخلية التي أدت إلى انغلاقه وبعده عن المجتمع، بحيث أصبحت تدار الامورمن منطق إداري ومكتبي معزول عن الحركة الإصلاحية الواقعية.

كما أن الظاهرة الفيروسية عرت الكثير من النواقص والافتقار لأدنى شروط التعامل الفعلي والآني مع الظاهرة، وساد الارتجال في اتخاذ القرارات وتيهان بين الوزارات وعدم التنسيق. وظهرا جليا للعيان دور التعليم والصحة كقطاعين ضروريين لتقدم البلاد، وخصوصا العلم ودور البحث العلمي في توفير سبل أفضل للعيش والاعتماد على النفس والمنتوج المحلي لتغطية الحاجات زمن الأوبئة والأزمات، فالميزانيات المخصصة للتعليم منذ الاستقلال لم تصل بعد للمستوى الذي يسمح بنهضة علمية وبحثية حقيقية تجعلنا في مصاف الدول المتقدمة علميا وإنتاجيا.

لذلك فدينامية الإصلاح لم تحقق بعد كل مطالبها، ويستمر الاحتجاج والمطالبة بالإصلاحات بطريقة سلمية وحضارية ليتحقق الإصلاح الديمقراطي والتنموي المنشود في إطار الوحدة الترابية والوطنية  واحتراما لثوابت الأمة ووجودها.

إنه صراع بين فكر متحرك إصلاحي وسكون الكثير من الأحزاب السياسية الجامدة التي لم تعد قادرة على مجاراة تحديات المجتمع والعصر، وأثبتت عدم قدرتها على مجاراة الحراك المجتمعي الإصلاحي. أنه صراع بين عالمين مختلفين تماما.

فاستكمال  بناء مؤسسات الدولة هو مطلب مجتمعي ديمقراطي يأتي نتيجة انتخابات نزيهة وإرادة شعبية، تهدف إلى بناء مجتمع يحترم كل أبناءه بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والإيديولوجية والعرقية، فالمغرب كان ولا يزال بلد التعايش والتسامح والسلم والسلام.

فالحراك الذي يعيشه المغرب حاليا هو تتمة لثورة قادها المجتمع ضد الفساد السياسي وقصر عمل الحكومات المتعاقبة، فهو يعبر عن مطالب اجتماعية عادلة ويتشبت بمنطق السلمية الحضارية في الاحتجاج والمطالبة بحقوقه. فهي نتيجة صارخة للشرخ بين السياسي والاجتماعي، بين شباب الوطن والممارسات السياسية.

إنه تعبير صارخ أيضا ومشروع عن رفض طريقة تدبير المشهد السياسي بالمغرب. فهو في الآن نفسه تراكم لسنوات طويلة من الإهمال والتدبير المشوه لمطالب عادلة، وأيضا نتيجة إنتاج وتفشي نخب سياسية وإدارية فاسدة لم تتعامل كما هو مطلوب مع التنمية الجهوية والمحلية وساد الفساد والزبونية والتدبير العشوائي.

فالحراك يرفع شعار القضايا العادلة ضد السياسات الفاسدة، إلا أنه لا يجب أن يخلط بين ما هو سياسي صرف وما هو اجتماعي صرف لأن المغرب بلد تتعايش فيه كل الإختلافات الممكنة، واحترام الخصوصيات، فالوطن للجميع ويتسع للجميع.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button