أخبارتقارير وملفات

الإحترار العالمي يهدد الأمن البشري الإفريقي

عبد الرحيم باريج/

يساهم الاحترار العالمي في زيادة تكرارية موجات الحرارة ومدد امتدادها، وتضاعف حالات الجفاف لثلاثة أضعاف، وتضاعف العواصف لأربعة أضعاف، وزيادة قدرها عشرة أضعاف في حدوث الفيضانات منذ سبعينيات القرن الماضي (1979-1970) في إفريقيا، مما أدى إلى تفاقم التهديدات الأمنية في القارة.وهذه خلاصة تقرير مفصل لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية.

موجات حرارة أكثر تواترًا وأطول أمدًا

كان العقد الماضي الأحر على الاطلاق، جزء من اتجاه عام على مدار عقود ماضية. في العام الماضي، كان متوسط درجة الحرارة في إفريقيا يدور حول 1,2 درجة مئوية فوق متوسط 2010-1981.

من المتوقع أن تشهد البلدان الإفريقية التي تقع قرابة خط الاستواء وحتى 15درجة منه زيادة في تواتر حدوث موجات الحرارة المرتفعة.

في وسط أفريقيا والكاميرون وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية الكونغو والمناطق الساحلية في شمال أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تشهد تلك المناطق بالفعل موجات حرارة مرتفعة تتراوح بين 8 و 10 موجات في المتوسط سنويًا. تشهد شرق أفريقيا، أوغندا، إثيوبيا، وكينيا—والساحل الأطلسي لجنوب أفريقيا— أيضًا تواترًا متزايدًا لموجات الحرارة المرتفعة ، يمكن أن تؤدي الزيادة في درجات الحرارة بمقدار 0,5 درجة مئوية إلى زيادة بنسبة 150 % في عدد موجات الحرارة التي تقتل 100 شخص أو أكثر.

أحداث الطقس القاسية الأخرى

وفقًا للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، تسبب الاحترار العالمي الذي أنشأه الإنسان في زيادة في الظواهر الجوية القاسية– بداية من الأمطار الغزيرة التي تسبب الفيضانات والعواصف القوية في البلدان الاستوائية وأجزاء من شرق إفريقيا، مرورًا بتفاقم الجفاف في الساحل والجنوب الإفريقي.

زادت وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بنحو أسرع من بقية العالم. بالمقارنة مع فترة السبعينيات من القرن الماضي (1970 – 1979)، تضاعف تواتر موجات الجفاف ثلاث مرات تقريبا، كما تضاعف عدد العواصف أربع مرات، وزادت الفيضانات عشرة أضعاف. ونتيجة لذلك، كانت نسبة 20 % من الفيضانات وأكثر من ثلث حالات الجفاف المسجلة عالميًا على مدى العقد الماضي في قارة إفريقيا بمنطقة جنوب الصحراء.

من المتوقع أن تشهد الجبال الثلاثة الوحيدة في إفريقيا ذات الغطاء الجليدي – وكلها في شرق إفريقيا – اختفاء كاملًا للجليد بحلول تاريخ (2040 – 2049)، وربما جبل كينيا قبل ذلك بعشر سنوات.

عند زيادة قدرها 2 درجة مئوية، متوقّع أن تصبح جنوب أفريقيا أكثر جفافًا بنسبة 5 إلى 10 %، حيث إن زيادة وتيرة الجفاف وعدد موجات الحرارة تسبب انخفاضًا في حجم حوض الزامبيزي. وفقًا للبروفيسور فرانسوا إنجلبريشت، أحد علماء المناخ الرائدين في إفريقيا : “فإن الجفاف الممتد للسنواتهو الخطر الأول الناجم عن تغيّر المناخ الذي تواجهه جنوب إفريقيا في ظل هذا التحوّل.”

عند وقوع زيادة قدرها 3° مئوية، من المتوقع أن تشهد منطقة الساحل الغربي أشد جفاف، مع زيادة كبيرة في الحد الأقصى لطول فترات الجفاف هذه. كما ستشهد وسط إفريقيا انخفاضًا في مدى طول فترات الأمطار وزيادة في هطول الأمطار الغزيرة.

انخفاض إنتاج الغذاء

من شان زيادة درجة الحرارة بمقدار 1° مئوية التسبب في انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 2,7 %. وسيكون التأثير شديدًا بالأخص على أفريقيا، إذ تعتمد العديد من الأسر على الأنشطة الحساسة للطقس، مثل الزراعة على الأمطار والرعي وصيد الأسماك لكسب معاشها.

وسيؤثر فقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظم الإيكولوجية نتيجة للجفاف وهطول الأمطار الذي لا يمكن التنبؤ به على نوعية التربة والغطاء النباتي.

سيستمر زيادة وقوع حوادث الفيضاناتفي التأثير سلبًا على سبل العيش الزراعية (مثل فقدان البذور، وتلف المحاصيل، واعتلال الماشية ونفوقها)، مما يجعل المجتمعات المحلية أكثر عرضة للخطر.

وفي ظل ارتفاع لدرجة الحرارة بمقدار 2° مئوية ، يتوقع البنك الدولي انخفاضًا قدره 10% في إنتاجية المحاصيلعبر أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول العقد الذي يبدأ بعام 2050.

الضغط على الأرض والتشريد

يشكل تكثيف الإنتاج على الأراضي الزراعية القائمة لسد “فجوات الإنتاج الغذائي” تهديدًا للبيئة من خلال الاستخدام المفرط المحتمل للموارد المائية والنظم الإيكولوجية الإقليمية. وبالمثل، فإن التوسع في زراعة أراضٍ “جديدة” غالبًا ما يهدد النظم الإيكولوجية المحلية والإقليمية.

يمكن أن يؤدي تزايد الضغط على الأراضي إلى النزوح وتصعيد التوترات القائمة بين المجتمعات.

لقد تقلصت بحيرة تشاد التي تمثّل شريان الحياة لحوالي 30 مليون شخص في تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون بأكثر من 90٪ منذ ستينيات القرن الماضي (1960 – 1969) بسبب تغيّر المناخ وتزايد عدد السكان والري غير المنظّم. كما زاد تسارع تبخّر البحيرةفقط مع تناقص مياهها. تزامنت أزمة فقدان سبل العيش مع زيادة معدلات الإجرام والهجرة إلى المراكز الحضرية.

هناك ما يقدر 18 مليون عامل مهاجر موسميفي أفريقيا، يعمل 80 % منها في قطاعات مثل الزراعة والتعدين وصيد الأسماك. أدت الظروف المناخية المتدهورة إلى تحويل الهجرة الموسمية إلى استراتيجية غير فعالة للكثيرين، ومع ذلك فهذه الظروف هي إحدى العوامل المساهمة في المزيد من الهجرة الدائمة والتشريد.

تهدد أسوأ سيناريوهات الاحترار العالمي بأن تشهد أفريقيا جنوب الصحراء انتقال ما يصل إلى 86 مليون شخص داخل الحدود الوطنية. ستشكّل شمال أفريقيا النسبة الأكبر لأهؤلاء المهاجرين بسبب المناخ، مع التوقّع بانتقال 19,3 مليون شخص ، أي ما يعادل حوالي 9 % من سكان المنطقة، ويرجع ذلك أساسًا إلى تفاقم ندرة المياه.

نتيجة لانخفاض غلة المحاصيل وانخفاض الإنتاجية الزراعية والعمالية، وانخفاض المعدلات والمؤشرات الصحية للإنسان، من المتوقع أن يكون لتغير المناخ تأثير سلبي متضاعف على الرفاه الاقتصادي لإفريقيا بمرور الوقت.

الصراعات على السلطة

من بين 20 دولة تعتبر الأكثر عرضة وتأثرًا لتغيرات المناخ وفقًا لمؤشر ( ND-GAIN Country Index)، فإن 17 دولة هي دول إفريقية. ومن بين تلك البلدان الإفريقية، هناك تسعة بلدان تعاني من الصراعات. في حين أن معظم المحللين يتفقون على أن الاحترار العالمي لا يسبب الصراع ، أكد الكثيرون أنه بمثابة “مضخم الأزمات ومضاعفها”، إذ يمكنه أن يزيد من التوترات حول الوصول إلى الموارد والغذاء وأراضي الأجداد. في الأماكن التي بها فوارق اجتماعية سياسية وضعف لسيادة القانون، بالإضافة إلى التماسك الاجتماعي المضطرب، يمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى نشوب الصراعات.

الإجراءات اللازمة ذات الأولوية

هناك قلة في البيانات المناخية المجمعة داخل أفريقيا. سيؤدي إعداد بيانات أكثر شمولًا ودقة إلى اتباع نهج أكثر استنارة ومناسبة للتكيّف مع آثار الاحترار العالمي.

وظّفت الزراعة غالبية الأفارقة ويمكن أن تستوعب أعدادًا كبيرة من العمال غير المهرة نسبيًا. وبالتالي، فإن القطاع الزراعي يمثل حلقة وصل حاسمة بين تغير المناخ والأمن. و بالإضافة إلى تبني أنواع بذور وممارسات أكثر تحملًا للجفاف، فإن تحسين إنتاجية صغار الملاك وتعزيز حقوق الملكية واتفاقات الحصول على الأراضي أمر حيوي.

في ظل التوقّع باستمرار تزايد الهجرة داخل أفريقيا، توجد حاجة ماسة إلى الجهود الرامية إلى خلق فرص هجرة متزايدة وأكثر أمانًا لمساعدة الذين يبحثون عن سبل عيش بديلة.

ومن أجل نزع فتيل التزايد المحتمل في النزاعات الطائفية المتصلة بالضغط المتزايد على الأراضي الناجم عن تغير المناخ، ينبغي للحكومات ولجان المصالحة الوسيطة أن تشجع على نحو استباقي الحوار بين مجتمعات المزارعين والرعاة من أجل تعزيز آليات التعامل مع الخلافات والتخفيف من حدة تصعيد النزاعات. كما ستحتاج الحكومات أيضًا إلى مراجعة حقوق الرعي والأراضي– واتخاذ نهج متساوي في الإنفاذ.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button