
بقلم: الطيب دكار*
فاجأنا الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن تبرئته فيما يخص حضور الجمهورية الوهمية اجتماع بروكسيل ، مؤكدا أنه لا هو ولا أعضاؤه يعترفون بما يسمى بالجمهورية الوهمية.
في الوقت نفسه، “يسمح” هذا الاتحاد لهذا الكيان بالمشاركة في اجتماع الاتحاد الأوروبي-أفريقيا، المنعقد في بروكسل، مع العلم أن نحو 24 دولة أفريقية، أي 42 في المائة من مجموع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، تعترف اليوم بمغربية الصحراء، في حين تراجعت الاعترافات بما يسمى ب”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” إلى 15 دولة في القارة نفسها.
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن بلدان عظمى (الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة) وكذلك العالم العربي بأكمله، ترفض بشكل سيادي حضور هذا الكيان نفس المحافل مع أفريقيا.(1)ويبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يأخذ بعين الاعتبار منحنى سحب الاعترافات من هذا الكيان ، التي بلغت 48 دولة في العالم، بما في ذلك 17 دولة أفريقية، في السنوات الأخيرة.
ولم تكن لتلاحظ أيضا أن 27 دولة فتحت قنصليات لها في العيون والداخلة في الصحراء، من بينها 22 دولة إفريقية. يجزم الإتحاد أن ليس هناك أي دولة أوروبية تعترف بهذا الكيان، لكن الاتحاد الأوروبي، الذي يتبنى الموقف نفسه، يقبل مع ذلك أن تحضر الجمهورية الوهمية منتدى يضم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.
كيف لنا أن نفسر موقف الاتحاد الأوروبي ؟ لجأ بعض المحللين إلى طمأنة المغاربة بالإدعاء بأن زعماء هذا الكيان المصطنع تم تهميشهم وتجاهلهم داخل هذا المنتدى، وأن رئيسة المفوضية الأوروبية غادرت القاعة في اللحظة التي كان يلقي كلمته أحد أعضاء الوفد.
لا تبدو هذه الحجج مقنعة بالنسبة لي.إن الاتحاد الأوروبي، مثل أعضائه، لم يتمكن من فرض بعض القواعد الأولية للقانون الدولي على الاتحاد الأفريقي ، وخاصة عدم قبوله من بين شركائه سوى الدول المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ما دام الموضوع مطروحا أمام مجلس الأمن الدولي.
وفي هذه الحالة ، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يعطي الأولوية للاعتراف الأفريقي بكيان لا يمتلك أيًا من صفات الدولة، بدلاً من صرامة الأمم المتحدة، التي لا تعترف بهذا الكيان الدمية بعد خمسين عامًا من وجوده، من خلال المطالبة بشروط صارمة لقبول الدول.
في هذه الحالة بالضبط، لماذا لم يفرض هذا الاتحاد الأفريقي “القوي والمرموق” قبول ما يسمى بالعضو الخامس والخمسين في منظمة الأمم المتحدة، بعد خمسة عقود من الزمان ؟ واليوم إذ يدور الحديث عن طرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد الأفريقي، فإن الأمر يزيد استفحالا بالنسبة لاختيارات الاتحاد الأوروبي الذي “يسير في الاتجاه المعاكس” للمسار الدبلوماسي.إنني أتساءل كيف يمكن للاتحاد الأوروبي، الذي تم بناؤه على مدى عدة عقود على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، أن يستسلم أمام منظمة لا تلمع في كل هذه المقاييس ، ومع ذلك تتمكن من فرض قواعد اللعبة الخاصة بها على الاتحاد الأوروبي. ولماذا رفضت الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة، بقرار سيادي ، حضور الجمهورية الوهمية في المحافل مع إفريقيا، علماأن هذه الدول تستضيف هذه الاجتماعات على أراضيها ؟ إن التوضيحات التي قدمها الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تقنع أحداً، بما في ذلك أعضائه. إن المنطق يقتضي أن الاتحاد الأوروبي، الذي لا يعترف بهذا الكيان ، كان عليه ان يمنع حضور هذا الأخير في اجتماع بروكسل. وأي خطاب آخر لن يكون له أي معنى بالنسبة لبلدنا. بالنسبة لنا، فإن الاتحاد الأوروبي، من خلال مؤسساته القضائية الأوروبية وبرلمانييه في ستراسبورغ، يعرض علاقاته مع بلدنا إلى كثير من البلبلة والخلط. -(1) إن الأرقام الواردة في المقال غير متوفرة رسميا)
*صحفي وكاتب’


