ما تناسته جريدة “لوموند” في مقالها العدائي للمغرب

وأنا أتابع الردود بخصوص المقال الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 24 غشت الجاري تحت عنوان: «Au Maroc, une atmosphère de fin de règne pour Mohammed VI»، “في المغرب، أجواء نهاية عهد محمد السادس”. استحضرت، وأنا طالب بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة محمد الأول بوجدة، مجموعة المقالات الفرنسية التي نشرت بعد رحيل الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، والتي كانت تكرر سيناريوهات نهاية المملكة المغربية، وأن محمد السادس لمرحلة ليست له رغبة في تولي الحكم، حينها قلت إن الهدف وراء هذه المقالات بعيد كل البعد عن الأدوار الحقيقية التي ينبني عليها الإعلام الهادف والمسؤول، وإنما الهدف هو خدمة أجندة معينة تسعى الى ضرب المؤسسة الملكية وزعزعة الاستقرار الداخلي الذي يعيشه المغرب منذ قرون.

فعلا، إنه كذلك، وهو الأمر الذي كشفت عنه صحيفة “لموند” الفرنسية التي أبانت عن موقفها العدائي اتجاه المغرب ومؤسساته، وفي المقدمة المؤسسة الملكية. مقال الجريدة الفرنسية يعكس حقيقة التآمر ضد الدولة العلوية الشريفة، ضد المملكة المغربية، مملكة الحضارات والثقافات ومهد الأديان، وأن جريدة le Monde ما هي إلا أداة استخدمها ولازال أعداء السيادة الوطنية والوحدة الترابية لخلق الزعزعة ونشر اللااستقرار والتشكيك في المؤسسات.
لكن، وللأسف الشديد، لم تستحضر هذه الأداة الإعلامية المسخرة مدى تشبث الشعب المغربي بالعرش العلوي المجيد وبالمؤسسة الملكية. واحتفال الشعب المغربي بعيد العرش المجيد وثورة الملك والشعب ليس احتفالا من أجل الإحتفال فقط، وإنما هي مناسبات ومحطات يتم فيها استحضار تاريخ المغرب المجيد العريق، وما تم تحقيقه من منجزات ومشاريع وأوراش مهمة.
فملحمة عيد العرش المجيد، هي محطة تاريخية يؤكد فيها الشعب المغربي على أن رباط البيعة التاريخي الذي يربط الشعب بالملك، هو رباط تاريخي يتجدد كل سنة، ويزداد قوة وتماسكا. هي ايضا محطة، يتجسد فيها عهد الوفاء للملك وللوطن، ويتم التأكيد فيه، دون شك حب الشعب المغربي لملكه، ويوجه رسائل قوية للخصوم، سواء داخل او خارج الوطن، بأن الوطن ووحدته الترابية خط أحمر وأن علاقة الشعب بملكه لن تتزعزع قيد أنملة.
أما الملحمة التاريخية لثورة الملك والشعب، فالجميع يعلم وفي مقدمتهم المستعمر الذي حاول بمكره وخداعه السيطرة على المغرب، لكن اصطدم بجدار صلب اسمه “ثورة الملك والشعب”، والتي كانت محطة تاريخية بارزة وحاسمة في مسيرة النضال الوطني الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لصد التحرشات والاعتداءات الاستعمارية، مغاربة عكسوا حقيقة الترابط بين مكونات الشعب المغربي، بين القمة والقاعدة، واسترخاصهم لكل غال ونفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية وهويتهم المغربية.
هي محطة، واجه المغرب والمغاربة الأطماع الأجنبية وتصدوا بإيمان وعزم وإصرار للتسلط الاستعماري على الوطن، وخاض معارك كثيرة، معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، ومعركة أنوال بالريف من 1921 إلى 1926، ومعركة بوغافر بورزازات، ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، ومعارك أخرى كثيرة واجه وتصدى فيها المغرب للمستعمر.
فثورة الملك والشعب لم تنته مع خروج المستعمر، بل استمرت، وتجسدت في نداء الحسن الثاني بخصوص المسيرة الخضراء، الملحمة المغربية السامية الذي أبان فيها المغرب أيضا على تماسك الشعب بالملك، مسيرة هدفها الوحيد استرجاع الأراضي المغربية التي احتلها المستعمر الإسباني آنذاك.
وها هو المغرب اليوم، وبعد ربع قرن، يجسد ملحمة ثورة الملك والشعب، ويواصل مسيرة النماء والتنمية تحت القيادة الرشيدة الرزينة الحكيمة للملك محمد السادس.
ربع قرن من الحكم، محطة تاريخية يستحضر فيها الشعب المغربي، والمنتظم الإفريقي، العربي والدولي لمختلف الإصلاحات المؤسساتية والمشاريع المهيكلة التي انطلقت في عهد الملك محمد السادس.
إصلاحات كانت بمثابة ضربة موجعة للخصوم، وكانت البداية بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بتاريخ 7 يناير 2004. مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، والتي لقيت إشادة دولية تؤكد مصداقيتها، وتجسد ذلك في مختلف القرارات الأممية منذ أن طرحها المغرب أمام المجتمع الدولي سنة 2007.
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في 2017، وإقناع عدد من الدول بوجاهة المقترح المغربي، حيث تقلص عدد الدول الداعمة للانفصال من 84 دولة إلى حوالي 20 فقط، وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية اعترافها بمغربية الصحراء، وتلتها إسبانيا، وفرنسا حين أعلنها الرئيس ماكرون بالبرلمان المغربي خلال زيارته للمغرب. دستور 2011 الذي جاء في فترة ما سمي “بالربيع العربي”، الذي تجاوزها المغرب بحكمة الملك محمد السادس وتفاعله الإيجابي مع عدد من المطالب في خطاب 9 مارس، مجسدا بذلك خصوصية مغربية واستثناء في التعامل مع الحراك الاجتماعي بطريقة حافظت للبلاد على استقرارها.
ربع قرن من الحكم عمل الملك محمد السادس على إرساء أسس الدولة الاجتماعية، وأطلق برامج ومشاريع اجتماعية مهمة، منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (18 ماي 2005)، والمبادرة الملكية “مليون محفظة” (الموسم الدراسي 2008-2009)، وبرنامج “تيسير” (تجربة 2008 إلى 2010)، نظام المُساعدة الطبيَّة “راميد” (تجريب 2012)، وبرنامج الدعم المباشر للأرامل (2015)، برنامج الدعم في رمضان، وبرامج الحماية الاجتماعية التي يتم تنزيلها بحكمة.
فترة عرفت ايضا هيكلة الحقل الديني بالمغرب، وكان حدثا بارزا في هذه الهيكلة، هو إشراك المرأة في مجالات التكوين والتأطير الدينيين، باختيار امرأة لعضوية المجلس العلمي الأعلى، وإدماج نساء أخريات في المجالس العلمية المحلية، مع السماح للمرأة بتولي مهنة العدول.
مشاريع وأوراش تنموية اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، رياضية وغيرها، عرفتها مسيرة النماء التي اشرف عليها الملك محمد السادس، ولازال تتواصل إلى حدود خروج الجريدة الفرنسية بمقالها المعادي للمغرب والمغاربة. فمرض ملك البلاد، لم يكن عائقا لتحقيق ما يهم المغاربة من تنمية. ومرض عاهل المغرب، لم يكن أبدا من الطابوهات في المغرب، بل بالعكس. فالمرض لم يمنع محمد السادس من ممارسة مهامه الدستورية كاملة، بمعية الحكومة والمؤسسات الوطنية ومستشاريه، فقد ظل حاضراً في كل المواعيد الوطنية الكبرى التي تستلزم حضوره، مثل المجالس الوزارية، وافتتاح البرلمان، والمناسبات الدينية والوطنية.
لم يتخلف الملك محمد السادس بسبب المرض عن متابعة الأزمات الكبرى التي هزت المغرب، مثل قضية الطفل ريان (2022)، وفترة جائحة كوفيد-19، وزلزال الحوز (2023)، أو رئاسة اجتماعات مهمة تتعلق بملفات حساسة، استراتيجية كالماء والطاقة والفلاحة والتنمية، فضلاً عن استقباله قادة العالم وشخصيات بارزة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ووزراء خارجية دول الساحل.
كان على جريدة “لوموند”، مادام أنها تحدثت عن المرض، أن تستحضر أولا تاريخ رؤساء فرنسا مع المرض، الذي لم يمنعهم من ممارسة مهامهم الرئاسية، وهنا نستحضر الرئيس ميتران الذي أجاب الصحفي جان-بيير عندما سأله: “هل تتألم من المرض؟ “هذا ليس شأنك”، وأنهى المقابلة. فالمرض لم يمنعه من ممارسة مهامه حتى نهاية ولايته الثانية.
مقال الجريدة الفرنسية يجسد الكره العميق الذي يكنه أعداء المغرب وخصومه، اتجاه المؤسسة الملكية، واتجاه المغاربة، هو حقد دفين يحاول الخصوم نشره مستخدمين بذلك أصوات نشاز مثل تلك الجريدة الفرنسية التي باعت نفسها ولازالت بمقابل بخس ضاربة بذلك الهدف الأسمى والرئيس للإعلام.
وأخيرا نقول للجريدة وللخصوم، “يا جبل ما يهزك ريح” والمغرب هو الجبل كان ولازال شامخا بتاريخه، بحضارته، ومجده، ومسيرته التنموية.
ونقول أيضا “الرخيص يبقى رخيصا”، وهذا حال الجريدة وحال الخصوم والأعداء.



