منير الدايري..حين يولد الشاعر ومعه القصيدة

في إحدى زوايا مدينة وجدة، تلك المدينة الشرقية التي تشبه القصيدة إذا قرأتها من جهة الضوء، وُلد منير الدايري سنة 1984. لا شيء في طفولته كان صاخبًا بما يكفي ليكون أسطورة، لكن ثمة هدوء في عينيه كان يقول ما لم تُجِد الكلمات نطقه بعد.كان الصبي مأخوذًا بشيء لا يُرى.
لا اللعب أغراه، ولا ضجيج الحياة العابر جذب انتباهه. منذ سنواته الأولى، بدأ يرسم بالكلمات عالمًا لا يشبه العالم الذي حوله. لم يكن يتعلم الكتابة كما يفعل الأطفال، بل كانت الكلمات تتسرّب إليه كأنها تعرفه، كأنها تعود إليه بعد غياب.
قال له أحدهم مرة: “كيف تكتب بهذا العمق وأنت صغير؟”، فابتسم منير وأجاب دون تكلّف: “أنا لا أكتب… أنا فقط أستمع”. كأنه لا يخلق النص بل يستحضره، كأن كل بيت شعر يكتبه كان موجودًا قبله، ينتظر فقط أن يمرّ أحدهم ويحرّره من الصمت.
تعلّق منير بالكتابة ليس لأنه اختارها، بل لأنها اختارته. لم تكن وسيلة ليقول شيئًا، بل كانت هي الشيء نفسه.
القصيدة عنده ليست زخرفة لغوية ولا لعبة بلاغية؛ إنها مأوى، مرفأ يعود إليه حين تشتدّ عليه الحياة.
منير الدايري لا يكتب كما يُكتب الشعر عادةً. نصوصه لا تتوسّل إعجابًا ولا تطلب تأويلاً. هي ببساطة، مثل شجرة في طريقٍ لا أحد يمرّ منه، لكنها تنمو بكل إصرار.
يحمل في نصوصه شيئًا من الغياب الجميل، من الأثر الذي لا يُرى لكنه يُحَسّ. وكأنك حين تقرأه، لا تكتشفه بل تكتشف شيئًا فيك كنت قد نسيته.
هو شاعر لا تصنعه الجوائز، ولا تُعرّفه المناسبات. يعرفه أولئك الذين يفهمون أن الكتابة ليست مهنة، بل أثر حياة لا يمكن شرحها… فقط الشعور بها.



