فرنسا سرقت أفريقيا: الفرنك الافريقي يدر على الخزينة الفرنسية 500 مليار دولار سنويا

تُعدّ أفريقيا، القارة السمراء، موطنًا لثروات طبيعية هائلة، إذ تمتلك نحو ثلث الاحتياطيات المعدنية في العالم، و65% من الأراضي الصالحة للزراعة عالميًا، و10% من مصادر المياه العذبة المتجددة. كما تمتلك 30% من احتياطيات المعادن العالمية، بما في ذلك 40% من الذهب، 33% من النحاس، 90% من البلاتين، 76% من الكوبالت، و95% من الماس. جنوب أفريقيا تتصدر إنتاج البلاتين عالميًا بنسبة تزيد عن 70%، بينما تمتلك الكونغو، ثاني أكبر منتج للألماس، أكبر احتياطي من الكوبالت، لكنها تُعدّ في الوقت ذاته أفقر دول العالم. وعلى الرغم من هذه الثروات، تعاني شعوب أفريقيا من أسوأ معدلات الفقر والجوع، إضافة إلى الصراعات الدامية والنزاعات المستمرة.
الاستعمار الفرنسي: خنجر في قلب أفريقيا
بدأت معاناة أفريقيا الحديثة مع وصول البرتغاليين إلى مدينة سبتة المغربية عام 1415، مما شكّل نقطة انطلاق لتكالب القوى الأوروبية على استعمار القارة. فرضت فرنسا سيطرتها على أكثر من 20 دولة أفريقية، حاكمةً 35% من مساحة القارة لمدة ثلاثة قرون. استخدمت فرنسا المناطق مثل السنغال وساحل العاج كمراكز لتجارة العبيد، ونهبت موارد القارة بشكل منهجي. ورغم وعودها بمنح الاستقلال للدول التي تقاتل إلى جانبها في الحروب العالمية، قوبلت الثورات التحررية بالعنف المفرط، مما أدى إلى مقتل أكثر من مليوني أفريقي.
في الحرب العالمية الأولى، لقي 71,000 جندي أفريقي مصرعهم في صفوف الجيش الفرنسي، معظمهم من المغرب والسنغال والجزائر وتونس ومدغشقر، وفقًا لتقرير مركز روبرت شومان للأبحاث عام 2011. وخلال الحرب العالمية الثانية، قاتل الملايين إلى جانب فرنسا، لكنها ردت بالقمع الوحشي، كما حدث في الجزائر عام 1945، حيث قتلت الآلاف بعد مطالبتهم بالحرية. كما لعبت فرنسا دورًا في واحدة من أكبر المذابح في التاريخ، إبادة رواندا عام 1994، التي راح ضحيتها 800,000 شخص.

استقلال زائف واستعمار اقتصادي
عام 1960، حصلت 17 دولة أفريقية على استقلالها، لكن هذا الاستقلال كان شكليًا. رحلت القوات الفرنسية، لكن باريس فرضت هيمنتها الاقتصادية والثقافية. ألزمت الدول الأفريقية باستخدام الفرنك الأفريقي، الذي تتحكم فرنسا بطباعته وقيمته الشرائية، كما استحوذت على الأصول الاقتصادية الرئيسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات والموانئ. تحتفظ البنوك المركزية الأفريقية بأكثر من 50% من احتياطياتها النقدية في حسابات بالبنك المركزي الفرنسي، دون القدرة على التصرف فيها إلا بالاقتراض من فرنسا. هذا النظام يدر على فرنسا أرباحًا سنوية تصل إلى 500 مليار دولار، بينما يعيش 38% من الأفارقة بأقل من 1.55 دولار يوميًا، وفقًا لدراسة اليونيسيف.
نهب الثروات وتفاقم الفقر

تُنتج دول مثل نيجيريا وتشاد وغينيا الاستوائية كميات هائلة من النفط، لكن مواطنيها يعانون من الجوع وسوء التغذية. فعلى سبيل المثال، حققت نيجيريا عائدات نفطية بقيمة 300 مليار دولار خلال ربع قرن، لكن معظم سكانها يعيشون في فقر مدقع. كما أن 21% فقط من سكان أفريقيا يحصلون على خدمات صرف صحي آمنة، ويُنهب الغرب سنويًا حوالي 195 مليار دولار من رأس مال القارة. تتفاقم هذه المشكلات مع الفساد، حيث خسرت أفريقيا 1.5 تريليون دولار بين عامي 2009 و2019 بسبب الفساد وتجارة الأسلحة والمخدرات.
شبكات الهيمنة الفرنسية
أنشأت فرنسا شبكات مثل “فرانس أفريك” عام 1955 لضمان استمرار نهب خيرات أفريقيا والدفاع عن مصالحها الاقتصادية. تدعم هذه الشبكات القواعد العسكرية الفرنسية في القارة، التي تُستخدم لحماية المصالح الفرنسية، التخطيط للانقلابات، والتدخلات العسكرية. منذ عام 1960، تدخلت فرنسا عسكريًا في أفريقيا أكثر من 50 مرة، وأطاحت بحوالي 22 رئيسًا أفريقيًا، مما ساهم في جعل فرنسا خامس أقوى اقتصاد عالمي، وفقًا للأمم المتحدة.
منافسون جدد: روسيا والصين
لم تعد فرنسا اللاعب الوحيد في أفريقيا. بدأت روسيا في تعزيز نفوذها منذ الخمسينيات، داعمةً حركات التحرر من الاستعمار، ومؤخرًا عادت لتوسيع مواقعها عبر بناء قواعد عسكرية وتقديم دعم لوجستي وسياسي. أما الصين، فقد أصبحت الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا، مع استثمارات ضخمة ومراكز لتعليم اللغة الصينية، مستفيدةً من منتدى التعاون الصيني الأفريقي.

هل تستيقظ أفريقيا؟
تظل أفريقيا قارة الفرص الضائعة، حيث تُنهب ثرواتها بينما يعيش شعبها تحت وطأة الفقر والجوع. مع توقعات بأن يصل عدد سكانها إلى ملياري نسمة بحلول 2050، يبقى السؤال: متى ستنتفض شعوب أفريقيا لاستعادة ثرواتها وتحقيق استقلالها الحقيقي؟



