
في مشهد سياسي مغربي ما زال يبحث عن توازن بين التمثيلية النسائية والنجاعة التدبيرية، تبرز شخصية مباركة بوعيدة كإحدى الوجوه النسائية الأكثر حضورًا وتأثيرًا في المشهد الجهوي الوطني. فبين إشادة بجرأتها في اقتحام مراكز القرار، وانتقادات حادة تطال أسلوب تسييرها، تبقى بوعيدة نموذجًا مثيرًا للجدل حول العلاقة بين الكفاءة، الطموح، والمساءلة العمومية.
ولدت مباركة بوعيدة سنة 1975 بلقصابي بإقليم كلميم، وسط عائلة صحراوية من قبيلة آيت لحسن. درست في المدرسة العليا للتسيير بالدار البيضاء، ثم واصلت مسارها الأكاديمي بفرنسا وبريطانيا حيث نالت ماجستيرًا في التواصل من جامعة تولوز وماجستيرًا في إدارة الأعمال من جامعة Hull البريطانية.
بدأت مسيرتها المهنية في قطاع الطاقة قبل أن تلتحق بحزب التجمع الوطني للأحرار وتُنتخب سنة 2007 كأصغر برلمانية في المغرب ضمن اللائحة الوطنية للنساء.
عرفت بوعيدة بقدرتها على الإقناع والعمل الميداني، ما أهّلها لتولي مناصب حكومية مهمة، منها الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية بين 2013 و2016، ثم كاتبة الدولة المكلفة بالمصايد البحرية من 2017 إلى 2019.
لكن الحدث الفارق في مسارها كان سنة 2019، حين انتُخبت أول امرأة في تاريخ المغرب ترأس جهة — جهة كلميم واد نون، لتصنع بذلك سابقة في مسار اللامركزية المغربية.
منذ توليها رئاسة الجهة، اشتغلت بوعيدة على وضع خطة تنموية استراتيجية تمتد لـ15 إلى 20 سنة، تركّز على محاور أساسية: البنية التحتية، التعليم، الطاقات المتجددة، وجذب الاستثمار.
كما قادت مبادرات لتقوية روح المقاولة المحلية عبر برنامج “أنا مقاول”، وساهمت في صياغة التقرير التركيبي للمناظرة الوطنية حول الجهوية المتقدمة، حيث دعت إلى تعزيز التنسيق بين الدولة والجهات لتحقيق حكامة فعالة في تدبير التنمية.
بوعيدة، التي راكمت خبرة دبلوماسية دولية، استطاعت أن تضع اسم جهة كلميم – واد نون على خارطة التعاون الدولي، مستفيدة من شبكة علاقاتها مع مؤسسات فرنسية وأوروبية ودولية، ما مكّنها من توقيع اتفاقيات ومذكرات تمويل متنوعة.
غير أن وهج النجاح لم يدم طويلًا؛ ففي عام 2025 تفجّر جدل واسع عقب توقيع الجهة على قرض بقيمة 25 مليون يورو مع الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، حيث اتهمت المعارضة بوعيدة باتخاذ القرار دون استشارة كافية للمجلس الجهوي، معتبرة أن “التسيير أصبح أحاديًا ومغلقًا”.
ورغم أن بوعيدة دافعت عن القرار باعتباره “رهانًا تنمويًا ضروريًا” لتسريع مشاريع البنية التحتية والطاقة، إلا أن الشكوك حول شفافية الصفقات وطبيعة المشاريع الممولة زادت من حدة النقاش حول حدود السلطة التنفيذية داخل المجالس الجهوية.
الجدل لم يتوقف عند حدود السياسة، بل امتد إلى الرأي العام المحلي، الذي تساءل:
“هل الاقتراض سبيل للتنمية… أم عبء جديد على الأجيال المقبلة؟”
من الناحية السياسية، تمثل بوعيدة نموذجًا لامرأة استطاعت أن تكسر جدار التمثيل الرمزي نحو القيادة الفعلية، مع وعي عميق بخصوصيات المجال الصحراوي والتوازنات القبلية والسياسية.
لكن من الناحية التدبيرية، تكشف تجربتها عن تحديات حقيقية تواجه الجهوية المتقدمة في المغرب: الشفافية، الحكامة، والقدرة على تحويل الخطط إلى إنجازات ملموسة.

كما تتمتع مباركة بوعيدة بنقاط قوة اعتمدت من خلالها على مؤهلاتها الاكاديمية و الديببلوماسية المتينة إلى جانب قدرتها على التواصل الدولي و جلب التمويل مع رؤيتها التنموية طويلة الامد تميل للتخطيط الاستراتيجي، كما تعرف نقاط ضعف في غموضها في تدبير بعض الصفقات و التمويلات إلى محدودية التشاور مع المجلس و المعارضة مع بطء شديد في تنفيذ المشاريع الكبرى و خلق فرص الشغل.
فتجربة مباركة بوعيدة تختصر في جوهرها مفارقة النجاح النسائي في السياسة المغربية، نجاح في اختراق هرم السلطة المحلية، لكن في مقابل ذلك، امتحان دائم للشفافية والفعالية، فإذا كانت بوعيدة قد نجحت في كسر السقف الزجاجي للتمثيلية النسائية، فإن التحدي الأكبر أمامها اليوم هو أن تُثبت أن التنمية ليست شعارًا انتخابيًا، بل مسارًا شفافًا ومستدامًا.



