Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين العقل

موسم التجميل السياسي ومآدب الاستحقاق

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

في زاوية من قاعة فخمة، وُضعت المقاعد بعناية كما توضع الدُمى في واجهات المحلات، جلس نفر من “صنّاع القرار”، أو بالأحرى “مستأجري الكراسي” ممن أتقنوا فن الوقوف على رؤوس الخلق لا على رؤوس المبادئ. وجوههم شحبت لا من الهمّ الوطني، بل من كثرة المساحيق التي تصلح للتمويه أكثر مما تصلح للتجميل، وأجسادهم مصطفة كالأخشاب المسندة، لا حراك فيها إلا ما تتيحه رعشة السن أو مضاعفات داء السكري الذي استوطنهم كما استوطنتهم المزايا.

على المنصة، وقف أحدهم وقد تلوّن صوته بين الترهيب والترغيب، وبدأ يتلو على الحاضرين “الفاتحة”، لا على أرواح الموتى، بل على آمال الشباب الذين لم يجدوا عملاً، ولا تعليماً، ولا حتى خبزاً بلا ضرائب. فاتحة على وطن نُهش عظمه بسياساتهم، وطن كلما صرخ أحد من فقر أو غبن، ألقموه وعداً كاذباً أو خطاباً مملوءًا بالمصطلحات الفارغة.

تُرفع الجلسة… ثم تُعاد الجلسة… ثم يُرفع الشعب.

أما مع اقتراب موسم “الاستحقاقات”، فتتحول القاعات إلى مهرجانات تمثيلية، يتقاطر إليها السياسيون كما يتقاطر الذباب على وليمة مكشوفة. تستأجر القاعات، وتُفرش الموائد، وتُستدعى البطون الفارغة لتسمع خطابات أكثر فراغًا. يشترط المنظمون أن تكون القاعة مكتظة، لا بالمؤيدين طبعًا، بل بالأطباق المحشوة بكل ما لذّ وطاب… فالجمهور هنا لا يُقنع بالحجج، بل يُستدرج بما يُؤكل ويُشرب.

يبدأ “الزعيم” خطبته التي صيغت في مكتب فاخر لا تصل إليه حرارة الشارع، يبدأ بـ”أيها الإخوة المواطنون”، وينتهي بـ”عيشوا على الأمل وموتوا على الانتظار”، يوزع الابتسامات كما توزع الملاعق، ويستعرض “تواضعه” المصطنع كمن يخلع حذاءه في باب المعبد، لكنه يدخل بروح فرعون.

وما إن تنفض الحفلة، حتى يعود الحضور إلى منازلهم ببقايا سندويشات ملفوفة في ورق النفاق، ويعود السياسي إلى مكتبه نافخًا بطنه من “عطاء لا يُدرى من أين أتى”، أما الوطن، فيبقى هو الضيف الوحيد الذي لم يُدعَ، ولم يُطعم، ولم يُكرم.

حقًا، في هذا الزمن، صارت السياسة عند بعضهم ليست فنّ الممكن، بل فن “التهام الممكن”.
وهكذا، يستمر العرض في موسمه العتيق، بنفس السيناريو ونفس الأبطال، ولا جديد سوى نوع العصير المقدم في الكواليس واكل الحمام المحشي. تُفرش السجادات الحمراء، لا لتكريم الكفاءات، بل لتسهيل مرور الأحذية الثقيلة المحشوة بالوعود. أما المواطن… فله الله، إن أكل اليوم فتلك صدفة انتخابية، وإن صوّت غدًا، فذاك لأنه لا يريد أن يُحرم من وجبة العشاء المقبلة.
وفي النهاية، تبقى الديمقراطية في نظرهم حفل شواء موسمي… والصناديق ليست إلا حافظات طعامٍ لا تحفظ صوتًا بل “تدجينًا”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button