أخبارإفريقياالرئيسيةمال و أعمال

عملة أفريقية جديدة: طلاق للفرنك الإفريقي(CFA) وزواج بالدرهم المغربي

تُظهر تقارير اقتصادية حديثة أن دول الساحل الإفريقي، وتحديدًا بوركينا فاسو، النيجر، ومالي، تتجه نحو خطوة اقتصادية هامة تتمثل في إطلاق عملة جديدة. تهدف هذه المبادرة إلى التحرر من التبعية الاقتصادية للفرنك الإفريقي (CFA)، الذي يُعتبر رمزًا للعلاقة التاريخية مع فرنسا، والارتباط بعملة قوية ومستقرة، وهي الدرهم المغربي.

ولأن هذه الخطوة تعد ثورة حقيقية في العملة الافريقية التي تعلن من خلالها حريتها وسيادتها في دول غرب أفريقيا الثلاث (بوركينا فاسو، النيجر، ومالي) في منأى تام عن التبعية الفرنسية، إذ؛ أثارت هذه الخطوة ارتباكًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية الفرنسية، حيث يعتبر الفرنك الإفريقي أداة نفوذ لفرنسا في المنطقة. فالاتفاق المبدئي بين المغرب وهذه الدول قد تم إنجازه، وهو الآن قيد التقييم من قبل مؤسسات مالية مغربية رئيسية، مثل البنك المركزي المغربي (بنك المغرب) ودار السكة الملكية.

الأبعاد الاقتصادية والسيادية

تُعد هذه المبادرة أكثر من مجرد تغيير في العملة؛ فهي تحمل أبعادًا سيادية واستراتيجية عميقة. فمن شأن إطلاق عملة جديدة مرتبطة بالدرهم المغربي أن يمنح هذه الدول سيطرة أكبر على سياساتها النقدية، ويحررها من القيود المفروضة من البنك المركزي الفرنسي ووزارة الخزانة الفرنسية.

بالنسبة للمغرب، يمثل هذا التوجه فرصة لتعزيز مكانته كقوة اقتصادية إقليمية، خاصة في منطقة غرب إفريقيا. حيث ستُمكنه هذه الشراكة من توسيع نفوذه التجاري والاستثماري، وتوفير استقرار مالي لدول الساحل، التي تعاني غالبًا من تقلبات اقتصادية وأمنية.

التحديات المستقبلية

رغم التفاؤل الذي يحيط بهذه الخطوة، إلا أن هناك تحديات كبيرة تنتظرها. أهم هذه التحديات يكمن في إتمام الإجراءات التنظيمية والتشريعية في كل من الدول المشاركة، بالإضافة إلى موافقة الملك محمد السادس التي تُعد ضرورية لإتمام الاتفاق. كما أن هناك حاجة لضمان توافق الأنظمة المالية والبنوك المركزية لهذه الدول مع النظام المالي المغربي، وهو ما يتطلب تنسيقًا عاليًا وتخطيطًا دقيقًا.

كما ستكون هناك حاجة للتغلب على مقاومة بعض الأطراف التي ترى في هذه الخطوة تهديدًا لمصالحها، سواء كانت داخلية أو خارجية.

بشكل عام، تمثل هذه المبادرة تحولًا جذريًا في المشهد الاقتصادي والسياسي في غرب إفريقيا، وقد تكون بداية لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي القائم على المصالح المشتركة والسيادة.

العملة الجديدة و تأثير ها على الاقتصاد الفرنسي

تُعتبر هذه المبادرة ضربة قوية للنفوذ الاقتصادي والسياسي لفرنسا في إفريقيا. حيث أن التخلي عن الفرنك الإفريقي يعني خسارة النفوذ النقدي الفرنسي الذي لطالما استخدمت فرنسا الفرنك الإفريقي كأداة للسيطرة على السياسة النقدية لدول المنطقة. فالبنك المركزي الفرنسي هو من يحدد هذه السياسات، وهو الذي كان يمتلك حق النقض (الفيتو) في مجالس إدارة البنكين المركزيين لدول الفرنك.

أيضا، فقدان السيطرة على الاحتياطيات، حيث كانت فرنسا تحتفظ بـ 50% من احتياطيات النقد الأجنبي لدول الفرنك في الخزانة الفرنسية، وهو ما كان يمنحها حرية التصرف فيها. التخلي عن هذه العملة يعني أن هذه الدول ستستعيد سيطرتها الكاملة على احتياطياتها النقدية، مما يمثل خسارة مالية وتقهقرا ا اقتصاديًا لباريس في أفريقيا.

وتعد هذه الخطوة جزء من توجه أوسع لدول الساحل نحو التحرر من التبعية الفرنسية. فالعملة الجديدة ستعزز سيادة هذه الدول، مما قد يقلل من الدور التاريخي لفرنسا كشريك تجاري واستثماري رئيسي في المنطقة.

العملة الجديدة و تأثيرها على الاقتصاد المغربي

بالنسبة للمغرب، تمثل هذه المبادرة فرصة استراتيجية لتعزيز مكانته كقوة اقتصادية إقليمية رائدة في إفريقيا. فمن المتوقع أن يؤدي الارتباط بالدرهم المغربي إلى تعزيز النفوذ الإقليمي، إذ تندرج هذه المبادرة ضمن “المبادرة الأطلسية” التي أطلقها المغرب بهدف توفير منفذ بحري لدول الساحل غير الساحلية.

هذا المشروع يهدف إلى خلق تكامل اقتصادي وجغرافي، مما يجعل المغرب لاعبًا محوريًا في منطقة الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) التي تمثل سوقًا واعدة للمغرب، بفضل مواردها الطبيعية وطاقتها الشبابية وموقعها الاستراتيجي. الارتباط بالدرهم سيُسهل التبادل التجاري والاستثمارات بين المغرب وهذه الدول، مما سيساهم في نمو الاقتصاد المغربي.

و من خلال هذه الشراكة، يمكن للمغرب أن يساهم في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى في هذه الدول، مما يعزز التنمية المستدامة ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة في المنطقة.

باختصار، هذه الخطوة تمثل تحولاً في ميزان القوى الاقتصادي في غرب إفريقيا. فبينما تواجه فرنسا تحديًا لنفوذها التاريخي، يرى المغرب في هذه المبادرة فرصة ذهبية لترسيخ مكانته كشريك إقليمي موثوق به وفاعل في القارة الافريقية وتحديدا في غرب أفريقيا أولا، في انتظار باقي دول غرب أفريقيا ووسطها.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button