مجتمع

ضرورة بناء نموذج وطني متكامل ومستقل وعاجل

الدولة الوطنية في الغرب ساعدت على نشوء ديمقراطية الممارسة الفعلية، بمعنى أن طريق الإصلاح يبدأ من التجسيد الفعلي للدولة الوطنية ومن خلالها بناء نموذج متكامل وشامل لبناء مؤسسات وهيئات قوية ومستقلة عن السلطة كضمان لصيرورة عمل المجتمع بشكل سوي وسليم.

بقلم عبدالله العبادي

بعد الفصل الأسود و الفوضى العارمة التي يعيشها المجتمع العربي المعاصر وخطر التقسيم والتشتت وفتيل الحرب المشتعلة هنا وهناك وانقلابات وتآمرات وخيانات وتصفية حسابات، أرى أن المجتمع المغربي بأمس الحاجة إلى إصلاحات مجتمعية جذرية و بناء وهيكلة المجتمع من جديد على أسس وروابط واتفاقات جديدة بين كل شرائح المجتمع المغربي.

ولتحقيق هذا المبتغى نحن بحاجة إلى إعادة بناء الدولة من جديد تتماشى وتطور الفكر والوجود السياسي والثقافي داخل المجتمع المغربي المعاصر، أي إعادة النظر في مفهوم الوطنية والسيادة ومعنى الدولة الحديثة. إن الدولة المدنية بالمفهوم الحديث هي تلك البقعة الجغرافية التي تظم بين أسوارها مجموعات ومناطق يوحدهم ويؤلف بينهم مفهوم الوطنية الخالصة التي يجب أن تعلو على كل القضايا المجتمعية الأخرى.

الوصول إلى مفهوم الدولة الوطنية كحقيقة بحاجة إلى نظرية متماسكة المعاني وأيضا معبرة عن أهداف مجتمعية بعيدة المدى، يعني ضرورة إصلاح شامل لواقع فكري وثقافي يتحرك باستمرار لا يرسو على أساس نظري معين بل يعبر عن طموحات وأفكار ورؤى مختلفة  لجميع فئات الشعب تجتمع آراؤهم على ضرورة تغيير الواقع السياسي والإجتماعي المعاش نحو الأفضل والمزيد دائما من هامش الحرية والعدالة الإجتماعية والمحاسبة والحكامة الرشيدة.

وإذا كنا لم نستفد من ماضينا بكل أمجاده، فالأفضل أن نحدث قطيعة مع الحنين إلى الماضي ولنهتم بالواقع الحالي لبلورة أفكار للغد وإيجاد صيغ للتعايش والمصالحة الوطنية وإيجاد توافق اجتماعي يؤلف بين الأفراد والمؤسسات من أجل مشروع وطني هادف يضع البلاد على السكة الصحيحة.

 نحن بحاجة إلى نموذج خاص وخالص غير مستورد، جديد في الزمان والمكان يبدأ بعقلانية جديدة والقضاء على الإستبداد والاستحواذ على السلطة وامتلاك زمام الأمور والهيمنة الطبقية على دوائر الحكم، يعمل على إرساء قواعد تداول السلطة وتقوية مؤسسات الدولة التي تضمن احترام حقوق الأفراد والجماعات وتهدف إلى الرقي بالفرد والمجتمع وتدبير محكم لخيرات الوطن.

 لأن الملاحظ الآن – عربيا –  أن الفوضى الحاصلة لم تفرز تغييرات تذكر على مستوى القيادات بل أعادت نفس الوجوه والأسماء ولم تحمل أي مشروع جديد ينهي مأساة الشعوب وطول انتظارها مما ينذر باستمرار الأزمات والمشاكل وظهور حالات شاذة و مرضية سياسيا وثقافيا واجتماعيا في المجتمع العربي وربما إعادة صنع الإستبداد والطغاة من جديد بألوان وأسماء جديدة.

فأنا لا أرى جانبا مشرقا فيما حصل ويحصل رغم بعد التفاؤل المفرط والمُقنًّع من طرف بعض الدعاة السياسيين وكذا بعض المحسوبين على الثقافة، دون إبداء آراء وأفكار تساعد على النهوض بهذا المجتمع المنهك القوى والمستنزف منذ عقود. واقع أسود مرير وغد ليس له ملامح في غياب تنظير حقيقي وقراءة علمية للأحداث والوقائع الإجتماعية وتحليلها والإستفادة منها.

كما أن العديد من المثقفين يرجعون سبب تخلف المجتمع فقط إلى المشكلة السياسية، وأن الغرب يعيش في كنف مؤسسات ضامنة  للممارسة السياسية وراعية لها وبلادنا لم تسلم بعد من الفكر الفاسد. أي الدولة الوطنية في الغرب ساعدت على نشوء ديمقراطية الممارسة الفعلية، بمعنى أن طريق الإصلاح يبدأ من التجسيد الفعلي للدولة الوطنية ومن خلالها بناء نموذج متكامل وشامل لبناء مؤسسات وهيئات قوية ومستقلة عن السلطة كضمان لصيرورة عمل المجتمع بشكل سوي وسليم.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button