أخبارحضارات

بأي لغة نُدرِّس ؟ صراع  نخبوي لا ينتهي

للأسف معظم الدول العربية أو الثالثية عموما لا زالت تتخبط في إشكالية اللغة التي يجب إتباعها في التدريس، الفرنسية أم الإنجليزية؟ كل حسب نخبه وماضيه الاستعماري. المغرب لا يشكل استثناء للقاعدة، بل يتخبط بدوره في دوامة إيجاد بوصلة حقيقية للغة التدريس، بين مدافعين عن اللغة الأم أي العربية وبين نخب فرنكفونية لا زالوا في جلبابهم الفرنسي وبين مناصرين للغة الإنجليزية كلغة العلم الأولى والأكثر تداولا على الصعيد العالمي.

بقلم: عبدالله العبادي

لنترك العاطفة والمصالح النخبوية الضيقة، ونتحدث علميا وبالمعطيات الميدانية بدون حساسية، ولننظر إلى الأشياء بعينين اثنين وبوضوح تام. فالموضوع يتداخل فيه السياسي والاقتصادي والثقافي والهوياتي، إنها مصلحة أجيال ومصلحة وطن ومصلحة أمة. لذا فالموضوع ليس بالسهولة كما يعتقد البعض، إنها مسألة هوية ووجود ولغة وأيضا مسألة رد الاعتبار للغة الأم.

 فاللغة التي يجب اختيارها، من المفروض أن تضمن قدرا كبيرا من الاستيعاب، وكسب الخبرات ونشر المعرفة بشكل كبير بين كل مكونات المجتمع. لا توجد من بين الدول المتقدمة دولة واحدة تدرّس بغير لغتها الأم، وجامعاتها الأولى عالميا، حتى اللغة الصينية رغم عدد رموزها وتعقيداتها لم تكن يوما عائقا أمام التطور الكبير الذي حققه الصينيون.

إيسلندا، البلد الصغير في شمال القارة الأوربية، الذي لا يفوق عدد سكانه النصف المليون، كما أن الإيسلندية كلغة لا يمكن أن تسمعها خارج حدود البلد، ورغم ذلك فالتعليم هناك باللغة الأم، وهي تحتل المرتبة 19 في مؤشر الابتكار، في حين يصنف المغرب في المرتبة 84 عالميا. كما أن 19 دولة التي تتصدر الأبحاث العلمية والاكتشافات، لغة التدريس بمدارسها هي اللغة الوطنية، والتصنيف الدولي لأفضل الجامعات العالمية يشير إلى أن أفضلها تتواجد بدول لغة التدريس فيها هي اللغة الأم.

والأمثلة كثيرة من كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا وإيطاليا وروسيا وفنلندا وغيرها، إلا البلدان العربية التي لم تجد بعد طريقها نحو تمكين اللغة الأم من فرض سيطرتها على التعليم في المدارس والمعاهد العليا. حتى إسرائيل، رغم عدد السكان القليلون فاللغة العبرية حاضرة وبقوة في مدارسها. وتأتي، بعد ذلك، اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، كلغات أجنبية ثانية، أي لغات التواصل مع الآخر ولغات متابعة البحوث والابتكارات ومسايرة الركب الحضاري.

في ماليزيا مثلا، قررت الحكومة وقف التدريس باللغة الإنجليزية بعد ست سنوات من التجربة التي باءت بالفشل، وعادت لتدرس باللغة الوطنية. حيث أثبتت الدراسات التي أجريت على معظم الدارس الماليزية أن اللغة الإنجليزية أدت إلى تدهور مستوى التلاميذ بشكل كبير. في الفلبين أيضا، تراجعت الدولة عن التدريس المزدوج، بعد أكثر من ثلاث عقود من تطبيقه وعادت للتدريس باللغة الوطنية. نفس الخلاصات أثبتها تجربة سعودية، على كليات الطب بالعربية وبالإنجليزية، حيث أشارت النتائج إلى فرق كبير في نسبة التمكن والاستيعاب الجيد بين طلاب الطب بالعربية ونظرائهم بالإنجليزية.

إنها دروس للفهم والاستيعاب !

عوض أن نظل في دوران مستمر في حلقات فارغة !

ونضيع أشواطا أخرى للتجربة والتمحيص!

فقد سبق لليونسكو أن أوصت باستخدام اللغة الأم في التدريس إلى أقصى مرحلة ممكنة. فقد اتهمت اللغة العربية ظلما بعجزها عن مواكبة المسار الحضاري، وهي المنبوذة من طرف أهلها، والممنوعة من طرف نخبها، الذين يتفاخرون بإتقانهم للغات الأجنبية حتى صارت ميزة اجتماعية ورقي طبقي.

اللغة العربية الثالثة عالميا من حيث الناطقين بها، والأولى إفريقيا وعلى مستوى البحر الأبيض المتوسط أيضا. كما تتميز بغنى معجمها وكلماتها وعدد مفرداتها، والتدريس باللغة العربية لا يعني إقصاء اللغات العالمية، بل بالعكس، ستكون هذه اللغات إضافة قيمة فكريا وعلميا وانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى.

فمن يعيد لهذه اللغة مكانتها وحقها؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button