أخبارفي الصميم

أين وصلت مواجهة السعودية بمفردها للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية؟

البعض يصدق أن أيران عدوة الغرب، وأن السعودية تابعةلأمريكا، وأن إسرائيل عدو تاريخي للعرب، لكن يغيب عنهم الحقائق التي تتبع المصالح الاستراتيجية التي تحدد مسار العلاقات، فإسرائيل قامت في 1981 بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب المفاعل السوري كما يظن في 2007، وهي الآن نحو ضربة مؤجلة للقيام بضرب مفاعلي نطنزوفوردو، وهما مفاعلان خصبا أكثر من 60 في المائة، ويمكن أن يصلا إلى تخصيب 90 في المائة لتصنيع قنبلة نووية إيرانية،ما جعل الدول الأوربية في بيان مشترك لبريطانيا وفرنسا وألمانيا قالت ان هذه الخطوة ليس لها مبرر إذا كانت إيران تزعم أن نياتها في التسلح نيات سلمية، لكن طهران تنظر للتسلح النووي وسيلة لفرض النفوذ الإقليمي، بل تدخلت إيران في معركة ليست معركتها في أوكرانيا إلى جانب روسيا.

بقلم / الدكنور عبدالحفيظ محبوب

وليس فقط إسرائيل التي لا تود أن تمتلك إسرائيل قنبلة نووية بل دول الخليج وتركيا وباكستان، ولكن لماذا لم تقم إسرائيل بضربة عسكرية لهاذين المفاعلين؟ بسبب أن إسرائيل لا تمتلك القدرات التي تمتلكها الولايات المتحدة لاستهداف المفاعلين النووين، وتنتظر أن تشاركها الولايات المتحدة خصوصا بعدما رفضت السعودية أن تشارك إسرائيل في مثل تلك الضربة، وقد لا تسمح كذلك للطائرات الإسرائيلية ولا حتى الأمريكية أن تمر بأجوائها لضرب المفاعلين، لأنها لا تود أي مواجهة مع إيران رغم أن إيران معتدية على المنطقة العربية، لكن استراتيجية السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني مختلفة، فهي مواجهة استخباراتية واقتصادية وسياسية لأنها ترى أن النفوذ الإيراني أتى نتيجة أخطاء أمريكية وانكفاء مكن النفوذ الإيراني،  وإذا كانت هناك مواجهة مباشرة من قبل إيران تقوم هي بنفس المواجهة، مثلما قامت السعودية باستهداف الحاكم العسكري في اليمن حسن أورلو وبقية الخبراء الإيرانيين مع خبراء من حزب الله الذين كانوا يستهدفون أمن السعودية بشكل مباشر، كما قام ترمب باستهداف قاسم سليماني والمهندس في 2020 عندما استهدف قاسم سليماني المصالح الأمريكية في أربيل وفي قاعدة عين الأسد في الأنبار، رغم أن ترمب فقط استهدف إيران اقتصاديا ويرفض استهداف إيران عسكريا.

تدرك السعودية أن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية مؤسستان غير قادرتان على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة لأسباب كثيرة، أهمها أن أغلب الدول العربية إمام منهارة نتيجة ضربات ألمت بها بما يسمى بثورات الربيع العربي، واستثمرتها إيران، كما استثمرها تنظيم الإخوان المسلمين المدعومين إقليميا وغربيا.

فالسعودية تحارب على جبهتين، لكن تركيزها الأكبر على مواجهة النفوذ الإيراني، بينما بقية الدول العربية دعمتها السعودية لاستعادة قوتها، فيما هناك دول عربية صغيرة الحجم لا تقوى على مواجهة النفوذ الإيراني، خصوصا هناك دول تشترك مع إيران في مصالح اقتصادية حيوية، رغم ذلك أقامت السعودية تحالفات إقليمية وقادت مرحلة من المصالحات، والتهدئة الإقليمية بعيدا عن المظلة الأمريكية، مع تركيا، وحتى مع إيران، قبل أن تتوقف المباحثات الأمنية بسبب أن إيران كانت تلعب على عامل الوقت، وهو ما رفضته السعودية، وهو ما يزعج الولايات المتحدة أن السعودية أصبحت تبحث عن مصالحها، وعن مصالح الدول العربية، حتى لو تعارضت مع مصالح الولايات المتحدة، وهذا لا يعني أن السعودية لا تراعي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لكن بشرط ألا تتعارض مع مصالح الدول العربية كما لاحظنا في موضوع إدارة ملف الطاقة.

لا شك أن الدبلوماسية السعودية الضاغطة على الولايات المتحدة آتت أكلها، وكذلك الحرب الروسية في أوكرانيا جعلت الملف النووي 2015 الذي انسحب منه ترمب عام 2018 بشكل آحادي أصبح من الماضي، بسبب أن الولايات المتحدة منشغلة بالحرب في أوكرانيا، وفي جزيرة تايوان الصينية، ومنشغلة ببحر الصين الجنوبي الذي هو ميدان للمنافسة الصينية الأمريكية.

 رغم ذلك لم تقم الولايات المتحدة بتسليم أسلحة فتاكة لتايوان بعدما وعدت بعد زيارة ناسي بلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب إلى تايوان، قبل أن ينتزعه الجمهوريون وتستقيل بلوسي من زعامة الديمقراطيين، خصوصا وأن بايدن التقى الرئيس الصيني على هامش قمة العشرين في بالي في نوفمبر 2022، ما جعل الولايات المتحدة تعلن أنها لا زالت متمسكة بسياسة الصين الواحدة، وتعارض تغيير الوضع الراهن بشكل آحادي الجانب من قبل أي طرف، وفي نفس الوقت تعارض واشنطن التوحيد بالقوة وإعلان استقلال تايوان من جانب واحد على حد سواء، وأضافت أمريكا أن استخدام القوة في مضيق تايوان سيمثل خطرا على المصالح القومية الأمريكية وأن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على الرد.

لذلك لم يكن مفاجأ تعليق المفاوض الأمريكي روبرت مالي على مصير المفاوضات التي كانت الإدارة الأمريكية قد قررت إحياءها مع إيران منذ وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، وبدلا من ذلك أعلن روبرت مالي أن الخيار العسكري أصبح بين الخيارات المطروحة للتعامل مع إيران، بل إن نائب وزير الدفاع الأمريكي كولين قال في أحد مقابلاته أن أي مفاوضات حول النووي الإيراني يجب أن يشمل إلى جانب النووي الصواريخ البالستية وكذلك النفوذ الإقليمي، ما يعني أن الدبلوماسية السعودية انتصرت بسبب أن سياسة بايدن لم تقم على أرضية صلبة أدركتها إدارة ترمب من قبل وحافظت على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وترى أن ما أقدم عليه أوباما كان خطأ استراتيجي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، لأن السعودية ستبحث عن خيارات أخرى، وبشكل خاص تحقيق شراكات مع الصين وروسيا رأتها الولايات المتحدة أنها شراكات على حساب مصالح الولايات المتحدة.

 لكن السعودية لا ترى ذلك بل ترى أنها تتجه نحو تنويع شراكاتها من أجل تحقيق مصالحها ومصالح دول المنطقة مع الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، بل هي تعزز شراكاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، لكن الخلاف أن السعودية ترفض تنفيذ طلبات واشنطن التي تتعارض مع مصالح السعودية وشركاؤها.

لم تعد السعودية ودول المنطقة تعاني من تصدير الثورة الإيرانية بل حتى الشعب الإيراني الذي بدأ يمل من هذا السيناريو وتبذير النظام الإيراني الثروة الوطنية في مغامرات خارج الحدود، وهناك احتجاجات في جميع مناطق إيران وكذلك في باريس التي استمرت أكثر من شهرين أمام السفارة الإيرانية، وعلنت أمريكا أنها لا تستهدف تغيير النظام الإيراني، وهو شأن داخلي، لكن على النظام الإيراني أن يغير سلوكه، أتت بعد مرحلة انكفاء أمريكي في العراق ولبنان وسوريا اسهم في تعزيز النفوذ الإيراني، ما جعل خامنئ يعلن الانتصار، وجعلهم يرفعون سقف مطالبهم في المفاوضات برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، ولم يشرك بايدن السعودية في تلك المفاوضات كما وعد في مقابلته بعد دخوله البيت الأبيض في مقابلة مع فريد مان .

لا شك أن الحرب الروسية في أوكرانيا غيرت المعادلة وجعلت الدول الأوربية التي كانت تضغط على بايدن لإتمام الصفقة النووية أن تتخلى عن إيران وتلجأ للدول العربية لتعويض نقص الطاقة، لديها فلجأت ألمانيا إلى السعودية لتعويض النفط الروسي، ووقعت مع قطر بنحو 2 طن من الغاز لمدة 15 عاما.

 لم تتوقف السعودية عند هذا الحد، بل قدمت معلومات استخباراتية لأمريكا للدفاع عن أمن العراق من أن إيران تستهدف أربيل، وهو ما حدث إذ أن أمريكا تتواجد عسكريا واقتصاديا في أربيل، خصوصا وأن أربيل تمتلك احتياطيات غاز بنحو 5.7 مليار قدم وهي سابع دولة في احتياطيات الغاز.

 يمكن أن يصل هذا الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، وهناك شركات أمريكية تتولى استخراج هذا الغاز، ولن تسمح الولايات المتحدة أن تهدد إيران مصالحها في العراق بعد مرحلة تراجع وانكفاء في العراق أغضب السعودية، الذي جعل إيران تسرح وتمرح في العراق عبر مليشياتها، لكن اليوم تهدد أمريكا إيران إذا تم استهداف أربيل، فإنها كما تم اغتيال قاسم سليماني بعد استهداف المصالح الأمريكية وباغتياله ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، فإنها كذلك لديها القدرة القيام بعمل عسكري ردعي.

ما تحقق للسعودية من نجاحات كبيرة في مواجهة النفوذ الإيراني نجد ان خامنئ اليوم يعلن أن العراق وسوريا ولبنان عمق استراتيجي ولأول مرة لا يذكر اليمن، وهذا أيض لا يرضي السعودية، وبعد زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران لوضع حد للتدخلات الإيرانية في أربيل،بعد جهود امريكيةنتجت عن جولات قام بها فريق من الكونغرس الأمريكي اجتمعوا مع رئيس الوزراء العراقي إضافة إلى السفيرة الأمريكية في العراق بإقناع إيران بوقف هجماتها على أربيل خصوصا وأن إيران تعاني من احتجاجات داخلية، أيضا طالب خامنئ رئيس الوزراء العراقي ان يستمر في دور الواسطة مع الدول الإقليمية، يقصد السعودية التي توقفت المباحثات بعد الجولة الخامسة بسبب أن إيران لم تحقق شيئا من الجولات السابقة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button