أخبارالرئيسيةثقافة و فن

اعمل في إطار مزاج الرئيس

ترعرع بمدينة العلم و تشرب من ثقافتها وعاداتها ، درس بها وحاز اعلى الشهادات ، لم يفارق مسقط رأسه ابدا لمدة طويلة الا مرة واحدة خلال احدى شهور رمضان لاداء مناسك العمرة رفقة ابويه واخته ، كان محبا للموسيقى الاندلسية و كثير التردد على سهراتها و حفلاتها ، حتى ظنه بعض اصدقائه بالنظر لاتقانه لمواويلها انه سيغدو من روادها ، كلما اجتمع بهم يتحفهم بدندناته الرائعة .
حصل” برادة ” على دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله في القانون العام ” الديمقراطية المحلية و الاحزاب السياسية” خلال بداية ثمانينات القرن الماضي و اجتاز السنة الموالية مباراة سلك الادارة الترابية و نجح و قضى فترة سنتين تدريبا عسكريا و نظريا وتخرج برتبة متأخرة جدا ، لكون بنيته الجسدية لم تسعفه في التميز بالتداريب العسكرية.
اشتغل بعض الوقت بالادارة المركزية لتزامن تخرجه مع الاستحقاقات الاتتخابية .
نظرا للخصاص الحاصل في التأطير الاداري لبعض الايالات القروية تم تعيينه بالجنوب وطلب منه بعد تسليمه قرار التعيين الالتحاق داخل اجل الثمانية و الاربعين ساعة .
التحق ” برادة ” بمقر عمله على وجه السرعة لترتيب اموره الادارية و العودة الى مسقط رأسه لجمع اغراضه ، طلب رخصة بالتغيب لمدة ثلاثة أيام انقل اغراضه لكن المسؤول رفض ذلك ، استقر ” برادة ” بسكنه الوظيفي الذي كان من البناء المفكك و مجهز من طرف الجماعة القروية على غرار السكن المجاور المخصصة للضيافة .
تدبر ” برادة ” بعد الالبسة و الاغراض من المدينة عاصمة الاقليم خلال نهاية الاسبوع في انتظار الترخيص له بالسفر لجلب امتعته .
بعد مرور شهر تعرف على رئيس الجماعة ، الذي فاز في الانتخابات الاخيرة لولاية ثالثة ، كان رجلا تجاوز عقده السادس ، من أعيان المنطقة ، خبر دهاء التدبير و التسيير .
بحكم اختلاف الثقافات و العادات لزم ” برادة ” حدودا في علاقته برئيس الجماعة ” الحاج امبارك ” رغم انه عرف ان هذا السلوك سيخلق له متاعب مع مسؤوليه الذين يحسبون ل” الحاج امبارك ” ألف حساب .
طلب من جديد ” برادة ” رخصة بالتغيب ، رفض طلبه مرة اخرى دون معرفة الاسباب ، استسلم للامر و اقتنى كل حاجياته من المدينة المجاورة مستغلا تنقله لحضور اجتماع مع المسؤول الكبير الذي بدا انه قوي الشخصية و يمارس عمله بقبضة من حديد ، يهابه كل مسؤولي المنطقة ، يقفون اجلالا له عند حضوره و ينصتون له عندما يتكلم لا تفهم من كلام مرؤوسيه سوى ” مفهوم ، احتراماتي ” ولاشيء اخر في قواميسهم اللغوية مع المسؤول الكبير اذ ذاك ادرك ” برادة ” سبب عدم الاستجابة لطلبه بالتغيب .
بعد اسبوع من العمل الشاق ، اتصل به المسؤول الكبير عبر مدير ديوانه ليخبره ان عملية احاشة ادارية ستنظم بحضوره وبعض ضيوفه بالنفوذ الترابي للايالة للحد من هجوم الخنزير البري على الحقول والبساتين و اتلاف غلاتها والحد من تشكيات الساكنة ، اول تجربة ل ” برادة ” في ادارة هذا النوع من الانشطة وبحضور المسؤول الكبير و التي سيواجهها بمفرده لكون المسؤول المباشر له في عطلة ادارية .
حاول ” برادة ” تعطيل كل انشطته و التركيز على الاعداد للاحاشة و استقبال المسؤول و ضيوفه ، تصل ب ” الحاج امبارك ” الذي كان خبيرا في هذا النوع من الانشطة ، تعرف ” برادة ” على مصطلحات جديدة أضيفت الى قاموسه اللغوي و الثقافي و المعرفي من امثال ” الحياحة ، الحلوف الذكر و الانثى ، التخريجة ” و الخبرة في اعداد الشواء بالهواء الطلق و اشياء اخرى خبرها ” الحاج امبارك ” .
مرت العملية على احسن ما يرام ، كانت الطرائد كثيرة و استمتع المسؤول و ضيوفه بأجواء نهارهم الذي كان معتدل المناخ مع روعة طبيعة المكان .
في حديث جانبي مع ” الحاج امبارك ” وقت غياب الوفد للاحاشة ‘ عرفه ” برادة ” بنفسه واصوله بعد ارتياحه للرئيس وقاده الحديث الى الاشارة الى طلبه الذي رفض وقصته مع اقتنائه لاغراضه الشخصية واشياء اخرى .
رجع الوفد الى خيام ضربت بهضبة مطلة على حقول الزيتون و شجر الاركان ، تناولوا و جبة الغداء على رقصات الفرقة المحلية الامازيغية .
الوقت عصرا ، بعد راحة استراحة و تناول الشاي وتبادل اطراف الحديث و طرائف الاحداث التي وقعت اثناء رمي الخنزير برصاص الخراطيش ، وكيف ان المسؤول الكبير فقد توازنه وسقط ارضا وعجز عن الوقوف ، و كيف احد الضيوف علق لباسه بشوك السدر و تعذر عليه الافلات منه …..
قام المسؤول الكبير للرحيل وقف الجميع وذكر ذلك الموقف ” برادة ” بالامر العسكري ” بالكم ” .
شكر المسؤول الكبير ” الحاج امبارك ” الذي همس في اذنه بكلام لم يصل الى مسامع الحضور وانصرف الجميع و كذلك ” الحاج امبارك ” .
انشغل ” برادة ‘و فريقه بارجاع الاشياء الى وضعها الطبيعي .
مالت الشمس للمغيب ، غاد ” برادة ” المكان ، عرج على المكتب ليخبره عون الحراسة ان اتصالا هاتفيا من مدير ديوان المسؤول الكبير يطلب منه التواصل معه .
ربط ” برادة الاتصال بمدير الديوان الذي اخبره ان رئيسه المباشر سيلتحق بالعمل غدا للنيابة عنه و انه مرخص له بالغياب لمدة اسبوع ابتداء من يوم الغد .
اسئلة كثيرة ظلت تخامر ذهن ” برادة ” ولم يجد لها جوابا شافيا ، سوى اقتناعه بمقولة ” اعمل في إطار مزاج المسؤول ” ….
الرباط 2022/10/2

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button