أخبارالرئيسيةفي الصميم

إلى روح الفقيد محمد أديب السلاوي

نم قرير العين ياصديقي العزيز فقد أديت واجبك في الحياة

ها أنت يا صديقي العزيز ترقد في مثواك الأخير بعد أن صعدت روحك الطاهرة الى السماء لترافق الرجال الذين كانوا من طينتك . وإنني لأتذكر ما كان بيننا من علاقات ونحن في أوج الشباب في مطلع السبعينات من القرن الماضي يوم جمعتنا الصحافة لنكون رفقاء نخدم الاعلام ببلدنا مع صديقنا المرحوم محمد الطنجاوي الذي سبقك الى الالتحاق بالرفيق الأعلى تاركا ادبا رفيعا وذرية صالحة .

تلك فترة كنّا نمزج فيها الجد بالهزل ونمني النفس بان نكون في مستوى ما تتطلبه بلادنا من عمل وجهد ففكرنا بمبادرة منك ، أيها العزيز أن نعمل في إطار ما سميناه ب ( حركة جيل مابعد الاستقلال ).

بقلم/ عبدالسلام البوسرغيني

وشاءت الأقدار أن تفرقنا على أكثر من مكان ، لنلتقي بعد أكثر من أربعين سنة ، وكان ذلك سنة ٢٠١٥ فجددناعهد الصفاء بيننا وطلبت مني أن أساهم في تقديمك ضمن من اخترتهم لنعرف بمسيرتك الثقافية والإعلامية خلال تكريمك في مقر المجلس البلدي لمدينة سلا ، واستضفتني في منزلك في رمضان فكانت مأدبة ذكرتني بكرمك كما عرفته في أول عهدي بك ، وأعادت الي الاهتمام بما يمكن ان أصفه بانطلاقتك المتجددة في الكتابة للمساهمة في معارك الحياة الوطنية . ولقد لاحظت أن قلمك السيال ضاعف من العطاء ويحفز من كان الملل قدتسرب الى نفوس البعض من رفقائك السابقين ، فانبري بعضهم وكنت منهم لأخذ القلم من جديد ، لكن لم يستطع أي أحد أن يبزك فيما أقدموا عليه .ولقد كنت شخصيا طوال السنين القليلة الماضية حريصا على تتبع وقراءة ما تنشره ، فكنت يا صديقي العزيز تبهرني بقدرك الفائقة على الإنتاج الذي يغوص في قضايا الساعة السياسية منها والاجتماعية والثقافية وغيرها مما يشغل الناس في وطنك وخارجه . ولقد تميزت كتاباتك بكونها كانت عبارة عن دروس تجمع بين الأسلوب الأكاديمي والأسلوب الإعلامي وتشيد بما يستحق الاشادةوتنتقد ما يتطلب الانتقاد غير واجل ولا متساهل ، وتذهب إلى حد خوض المعارك مع من ينتصب لينازعك في بعض من أفكارك وآرائك التي تؤمن بها ، مستعينا في ذلك بالمراجع التي تزخر بها مكتبتك التي تحرص على أن تنقلها معك أينما رحلت أو بما تقدمه التقنية الحديثة من فيض في المعرفة والعلوم لمن يعرف كيف يستثمرها مثلك .

لقدكنت سعيدا يا صديقي العزيزعندما خضت معك معارك تناولت عدة قضايا كانت آراؤنا حولها متضاربة ، وظن البعض أن ذلك سيؤدي الى القطيعة بيننا ،ولكن لم يصدق ظنهم ، فلقد خاطبتني يوما بقولك : أن خلافاتنا لن تفسد للود قضية بيننا ، وأنك تبادلني التقدير الذي لم أفتأ اعبرعنه إزاءك. ولقد كانت معركة اللغة الفرنسية أكثرالمعارك حدة بيننا ، ولم نصل الى التقارب بين آرائنا .كانت منطلقاتي تمزج بين البرغماتي والواقعي وحتى الثقافي بحكم أننا في المغرب أصبحنا نمتلك ثراتا وطنيا غنيا مكتوبا باللغة الفرنسية ،في حين كانت منطلقاتك يا صديقي العزيز وطنيةوقومة وثقافية ، ونشرت على اثر معركتنا ما يمكن اعتباره أوسع وأوفي دراسة لتعزيز موقفك النبيل الذي يسعى لكي ترقى اللغة العربية الى المكانة التي نطمح إليها جميعا ،ولقد أعدت أخيرا نشر تلك الدراسة الهامة .

لقد كنت أيها الصديق العزيز وانت تنشرما تكتب وما تنتج في مستوى ما تتطلبه المرحلة التي يجتازها وطنك ، وعبأت كل قدرتك الفكرية و البدنية بإلرغم مما كان يشكو منه بدنك من علل من أجل أن تنتصر العدالة وتزدهر الثقافة وينتشر الوعي الوطني والقومي، ويعم الإصلاح وترتقي الثقافة إلى المرتبة العليا التي كنت دائما تحلم بها منذ أن تلقيت دروسك الأولى في جامعة القرويين .

ولقد كنت يا صد يقي العزيز كريما في معاملتك وصادقا في أقوالك ومخلصا في محبتك وكت وطنيا وقوميا وإنسانيا ، كماتبرهن عن ذلك كتاباتك وجهادك والمعارك التي خضتها بقلمك وفكرك . وكنت الاب البار بأبنائه وذريته وأهله .ولقد رأيتك غير ما مرة وأنت تغمرك السعادة عندما يتحرك صغيرهم أمامك وتتمنى أن يقاسمك همومك الثقافية حتى وهو ما يزال طفلا وكأنك تؤهله ليكون خيرخلف لخيرسلف .

فمن سيكون في مستوى عطائك يا صديقي العزيز؟ ومن سيجمع من الخصال النبيلة ما تجمع فيك ، وقد تحليت بأفضلها ؟ومن سيملأ الفراغ الي تركته يا رائدنا ؟

نم يا صديقنا العزيز قرير. العين بعد أن اديت واجبك الديني والدنيوي والوطني . وسيجازيك الله على ما بذلته من جهد حتى الرمق الأخير من حياتك . فقد كنت لا تخرج من وعكة صحية إلا وانت أكثرعزما على مواصلة النضال الثقافي. الفكري . وانني لأدعو لك بالرحمة والمغفرة وبأن يكون مقامك بين الصديقين والشهداء والصالحين

الدار البيضاء 6 غشت 2020

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button