إفريقياتقارير وملفات

السودان: بعد عام من الحرب .. ضبابية وانعدام أفق

بعيدا عن اهتمام وسائل الإعلام الدولية، بسبب تعدد بؤر التوتر، ظل السودان غارقا في حرب اندلعت لمدة عام نتيجة لصراع محتدم بين قائدين عسكريين غير مستعدين للتنازل على السلطة، ولا شيء يشير إلى أن السلام يمكن أن يحل في البلاد قريبا.

الحدث الإفريقي – تقرير إخباري خاص

يتعرض السودان، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 50 مليون نسمة، لانقسامات داخلية قوية للغاية، وعلى الرغم من مضي وقت طويل على انفصال جنوب السودان سنة 2011، فلا تزال قضايا الحدود معلقة، وتلاشت الأجواء الإيجابية التي خلفها الانقلاب على حكم عمر البشير سنة 2021.

بعد انقلاب أكتوبر 2021، واجه الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية والزعيم الأعلى للبلاد حاليا، على رأس المجلس السيادي، اتهامات بإجهاض عملية الانتقال السياسي الديمقراطية التي هيأت لها قوى الحرية والتغيير بالتعاون مع المجلس العسكري الانتقالي.

وسرعان ما أصبح من الواضح أن قيادة البرهان لم تعد مقبولة من لدن أطراف أخرى داخل الجيش والسلطة والمشهد السياسي، وكان من أبرز هؤلاء المختلفين مع البرهان، الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الرجل الثاني في التسلسل القيادي للمجلس السيادي، ورئيس قوات الدعم السريع المتمردة الآن، وقد برز كلا الرجلين، البرهان وحميدتي، باعتبارهما مقربين مخلصين للبشير خلال فترة حكمه، ويتهم كلاهما بالتورط في ارتكاب جرائم حرب لسنوات في دارفور، على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية لم تطالب رسميًا بأي منهما، على عكس البشير.

وكانت نقطة الاحتكاك التي تسببت في اندلاع الأعمال العسكرية التي تحولت إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم، في 15 أبريل من العام الماضي، هي الخلاف المفتوح بين الطرفين حول عملية دمج قوات الدعم السريع التي يترأسها حميدتي في القوات المسلحة السودانية، حيث أدرك حميدتي أن ذلك سيفقده رصيده الأساسي الذي يطمح إلى الحصول عليه بشكل مطلق، وهو السلطة، ومن هناك، سعى كلاهما إلى الحصول على دعم خارجي ليتمكن كل واحد من فرض إرادته، مستغلين في ذلك مصادر متعددة للثروة (التهريب والسيطرة على مناجم الذهب، بشكل أساسي) وقدراتهما العسكرية الخاصة.

بخصوص الدعم الخارجي، يبرز دور روسيا، التي تطمح إلى أن تكون لها في يوم من الأيام قاعدة بحرية على الساحل السوداني، والمملكة العربية السعودية، التي تمكنت بحسب المراقبين من إخراج السودان من الفلك الإيراني، ومصر، الجارة الدائمة التي تربطها علاقات قوية بالسودان بحكم سلطة التاريخ والجغرافيا، هم الداعمون الرئيسيون للبرهان، في حين يحظى حميدتي بالمساعدة التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، المنخرطة في استراتيجية دؤوبة لكسب النفوذ الدولي، والمشير خليفة حفتر، الذي يقدم نفسه كأقوى رجل في ليبيا؛ دون أن ننسى أن موسكو تسعى أيضا إلى ضمان حوار مستقر مع الخرطوم بغض النظر عمن قد ينتصر في النهاية في الحرب الدائرة هناك.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة أمام مؤتمر المانحين المنعقد منتضف الشهر الماضي في باريس

وحيث إنه لا مؤشرات على نهاية وشيكة للحرب، ورغم أن القوات المسلحة السودانية تمكنت من توسيع نطاق القتال إلى ما هو أبعد من العاصمة الخرطوم، وخاصة في دارفور وكردفان، إلا أن أيا من الطرفين المتحاربين لا يملك على ما يبدو الوسائل الكافية لهزيمة خصمه، بينما يزداد الوضع الإنساني تدهورا بشكل خطير، أمام الشلل الدبلوماسي المتواصل، حيث لم تتجاوز نسبة  الاستجابة لنداء مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لهذا العام الـ 7%، وقد قدرت المفوضية الحاجيات العاجلة لتغطية أوضاع اللاجئين بـ 1.4 مليار دولار، وطلبت ما مجموعه 2,700 حزمة مساعدات غذائية ورعاية صحية وغيرها من الإمدادات الأساسية لنحو 24 مليون سوداني يحتاجون إلى استجابة إنسانية عاجلة، أي ما يقرب من نصف السكان، في انتظار الإيفاء بالالتزام الذي أعلنه أولئك الذين حضروا مؤتمر المانحين الأخير الذي عقد في باريس في 15 أبريل الأخير، والذي ترأسته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، والذي سيترجم إذا ما تم تنفيذه إلى ما يقدر بنحو 2 مليار دولار من ميزانية الأمم المتحدة.

وتتجاوز تداعيات الصراع حدود السودان، حيث تعمل موجة متزايدة من اللاجئين على توليد حالة من عدم الاستقرار في كل من تشاد وجنوب السودان، حيث يوجد بالفعل أكثر من 650 ألف لاجئ، يضاف إلى ذلك أن جنوب السودان يعاني من أزمة اقتصادية خطيرة ناجمة عن استحالة تصدير نفطه عبر الأراضي السودانية إلى بورتسودان، وتعتمد حكومة جوبا على أكثر من 90% من الدخل الذي تحصل عليه من تصدير “الذهب الأسود” لعملائها في الخارج، ما يزيد من ضبابية الوضع وخطورة نتائج صراع بلا أفق ينذر بمستقبل قاتم على السودان والمنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button