أخبارالناس و الحياةمجتمع

الدولة الاجتماعية المتوحشة والعصا السحرية..

**زكرياء شوقي /

إن العدالة الاجتماعية، التي تعتبر أساسا للدولة الاجتماعية ، وجدت لها أخيرا مكانا بالمغرب . حيث إن حكومة “الغالب الله” ، التي لا تمتلك العصا السحرية ، قامت بتشويه نظرية الدولة الاجتماعية ، من خلال ضرب كل أسسها ومقومتها النظرية، والعملية. فجعلت من الدولة الاجتماعية نسقا متكاملا لكل معاني الوحشية ، والهمجية ، والاستغلال ، والاستنزاف الممنهج لموارد الدولة ، وسرقة جيوب المواطنين دون حسيب او رقيب.

زكرياء شوقي

إن الدولة الاجتماعية التي تبني لنفسها اقتصادا وطنيا ، يقوم على أساس تعاقدي ينظم العلاقة بين البرجوازية الوطنية ، وعموم الشعب ، في اطار دولة الحق والقانون . ما كانت ستنتج لنا حكومة بقيادة كبار التجار. الذين اصبحوا بين عشية وضحاها يتبنون شعارا ، عوضوه بشعارهم الأساسي في السياسية ، والاقتصاد . فبدل تبنيهم لليبرالية المتوحشة ، استطاعوا بخبثهم اللا متناهي في استغلال كل شيء.  ان يجدوا لأنفسهم مخرجا عبر تبنيهم لشعار الدولة الاجتماعية .  فانتجوا لنا دولة اجتماعية متوحشة ، لا تمتلك عصا سحرية لإصلاح الوضع الاقتصادي،والاجتماعي ببلادنا، بقدر ما تمتلك ايادي سحرية ، لها كامل القدرة على القيام باستنزاف شامل لجيوب المواطنين  المقهورين.

إن ما لا يجهله أنصار الدولة الاجتماعية المتوحشة ، هو ان الدولة الاجتماعية لم تكن موجهة يوما لخدمة اقتصاد السوق.  بل هي موجهة لخدمة التحالف الوطني ، الذي يسعى بدوره لخدمة الطبقات المسحوقة ،  في إطار اقتصاد وطني ، يكون له التأثير المباشر على الفئات الهشة بالدرجة الأولى.

إن دولة الحق والقانون ، هي الأرضية السياسية الضامنة للسلم الاجتماعي،والتغيير، في ظل الاستقرار الذي جاء به مسلسل الانتقال الديمقراطي ، مع بداية العهد الجديد . غير ان التجاوزات القانونية ، لصالح الاوليغارشية المالية يهدد وبعمق استقرار الوطن . كما أن هذه الاوليغارشية، التي باتت تتحكم في كل شيء داخل الدولة ، تحت غطاء الديمقراطية الانتخابية . في صفقة مشبوهة تم فيها زواج المال بالسلطة ، تهدد الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكل الإصلاحات الكبرى التي جاء بها النموذج التنموي الجديد . كما ان هذه الأقلية من الباطرونا التي باتت تتحكم في مؤسسات الدولة التنفيذية ، والتشريعية، تعرقل وبشكل كبير مشروع الجهوية المتقدمة الذي جاء به دستور 2011 ، وما يزال الى يومنا هذا مجرد شعار لم يجد طريقه الصحيح للتنزيل على ارض الواقع .

لقد كان شعار الدولة الاجتماعية هو شعار المرحلة ، المنقذ الذي من شأنه أن يقوم بتسوية الأوضاع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. غير أن هذا الشعار الذي توهمنا للحظة انه اصبح مشروعا، سعى المؤسسات المنتخبة لتنزيله ، أصبح شبحا يرعب الشعب المغربي.

إن هذه الحكومة ، وبقيادة الاولغارشية المالية ، لا يمكن أن يتحقق معها مشروع الدولة الاجتماعية ، بقدر ما تحقق أهداف الليبرالية المتوحشة .

إن الخلاصة الوحيدة المستنتجة من الوضع الذي وصلت إليه البلاد ، هو أن الأداء السياسي لحكومة “الغالب الله”. لا يمكن أن يحقق طموحات الشعب،  ولا الاستراتيجية الكبرى لمشروع النموذج التنموي.

إنهذه الحكومة المشكلة من خليط لأحزاب غير متجانسة ، والتي يصعب ان تتجانس . خاصة تحت قيادة التيقنوقراط، الذي أصبح بين عشية وضحاها يمارس السياسة داخل حزب ، كل المغاربة يعرفون انه فاقد للهوية السياسية ، ولا يمتلك أي مرجعية تؤطره.  وان مرجعيته هي التجارة والفلاحة والغاز وهويته هي الأورو والدولار.

إن الحكومة التي ليست لها حتى القدرة على التواصل مع مواطنيها ، لا يمكن إن تعدو على أنها شركة منجمية، تجلد عمالها وتمتص دمائهم ، وتعجل بهلاكهم،  لتغلق المنجم بعد استنزاف كل  ثرواته ، وتتركهم في حال سبيلهم ، في فوضى عارمة .  ان اشخاص من هذا النوع هم من يدمرون المشاريع الاجتماعية والاقتصادية الوطنية المواطنة . ويلعبون الدور الرئيسي في عملية تهديد السلم ، وخلق الاحتقان الاجتماعي ، عبر قراراتهم وخرجاتهم الإعلامية المستفزة ، والفاشلة،  المليئة بكثير من التحدي ، والتعالي والضغط على نفسية المواطن وتعميق جراحه .

إن حكومة العصا السحرية ، مهما حاولت تبرير اختياراتهااللا شعبية ،واللا وطنية ، والتي تضرب في عمق الدولة الاجتماعية ، تؤكد لنا المثال القائل بان تبرير الواضحات من المفضحات .

إن الختام سؤال يا رئيس حكومة الباطرونا..ما مصير الدولة الاجتماعية ،إن لم تحققوا معدل النمو الذي تعدون بتحقيقه؟ ما مدى انعكاس معدل النمو ، على التنمية حتى تتحقق الدولة الاجتماعية ؟

هل الدولة الاجتماعية ، تتحقق على حساب جيوب الطبقة المسحوقة ؟  أظن ان جوابكم قد صدر من قبل ” لا غالب الا الله ” وأنه ليست لديكم العصا السحرية ، وهلم جرا من المبررات المفضحات .

** كاتب وصحافي

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button