المشهد الأول
( الأشخاص : تركيبة مختلفة لرجلين كل منهما عانق السلطة واستمرأ الجلوس على الكرسي، المكان نفس المكان، الزمن تحركه عقارب الساعة )
السي ادريس : تذكرني يا عبد الله؛ بسطوتي وجلبتي، وأنا أصولُ وأجولُ أرفعُ من شأن هذا وأحُطُّ من قدر ذاك؛ ولا أحد يجادلُ أو يعاكسُ أمري، كنتُ السيد المطاع، جعلتُ من الأسافل أكابر، وأَطَحْتُ بقامات ولم تأخذني بهم رأفة ولا رحمة، ومحاسبتي كانت منصبة على رؤوس الفتنة، وكنتَ أنتَ يا عبد الله أحدَ أطرافها، كم ترصدتُ أثرَك وحركتَك، ولم تَغِبْ عن عيني يوما كنت أُصَيِّركَ كما أريد، وأعجنك بين يدي أُشَكِّلك دمية ..، وحين أرادت قدماك أن تخرج من “شواري البردعة” سَقَيْتُكَ من ماء الصرف الصحي، وجرَّعتك الألم.
عبد الله: كنتُ أرجو لو كنتَ حيا ترزق، وتراني وأنا على رأس السُّدة ،
ادريس : أتنبأ أنك ستلقى مصيرا مشينا، لقد دشنتَ ولايتك بصباغة الأرصفة، والشوارع باللون الأحمر، وأصبحتَ تلقبُ بالحرباء، عكس ما كان يطلق عليَّ، فعلا كنتُ جبارا ومُهَيْمِناً، وكلٌ يرتعد لمجرد ذكر إسمي، أذكر أنك كنتَ ترتجفُ حد التبول إذا سمعت صفارة شرطي، أو منبه سيارة أمن، كنتَ تختبئ كالفأر الخائف من مطارديه وكلكم كنتم على شاكلة واحدة، تمشون عراة حفاة تتضورون من الجوع
عبد الله: وأنتَ كنتَ محظوظا ومدلَّلا ومحمِيّا السي ادريس ، كنتُ أراكَ في المنام كما في يقظتي ..أشكر الله وقد أصبحتُ الآن مسؤولا، آه لو كنتَ ما تزالُ حيا، لرأيتَ مني ما رأيتُهُ منكَ ولسقيتُكَ شرابا من حميم وجثمتُ على صدركَ
ادريس : لو كنتُ ما أزالُ حيا ما توليتَ أنتَ ولا أقرانَك الرئاسة، ولَكُنْتَ في مكانك المعلوم، ولَمَا اسْتَأسَدْتَ على الغلابة والأساتذة والدكاترة والعاطلين وعلى الشابات والشباب وعلى الموظفين والأجراء بالاقتطاع من أجورهم
في عهدي لم ترتفع الأسعار، ولم تجمد التعويضات، ولا الترقيات ، وكان الباب مفتوحا للمباريات والتوظيفات، وكان الاستثمار حرا ..لا أنكر أن عملية “أدهن السير يسير” كانت سائدة، الفساد و الرشوة و المحسوبية كان مستشريا .. ولكن الجميع كان منخرطا في ذلك بما فيها أنت وجماعتك
أما في عهدكم ارتفعت أثمنة فواتير الماء والكهرباء والمواد الغذائية ، والمحروقات، وأغلقتم الأبواب في وجه التنمية والاستثمار والتشغيل، ووضعتم العصا في وسط العجلة
عبد الله : وما العمل السي ادريس ؟
ادريس : قدم استقالتك، وأعلن اعتذارك للشعب ولمناضلي حزبك، فإني أرى أن بيتكم السياسي هُدَّ ، وإن تصدع فلن يُلَمَّ، وستحدث الفتنة في المشهد السياسي، وتبدأ عملية التصفيات والانشقاقات، وستكون أنت الخاسر الأول
عبد الله: عين العقل ما أشرتَ به، غدا سأقدم استقالتي وأعتذر للشعب -ونحط سوارت الحانوت-
أين ذهبتَ السي ادريس؟ هل تسمعني ؟
( اختفى السي ادريس وما يزال عبد الله يحرر نص الاستقالة ) (فهل سيقدمها غدا وهل ستقبل منه ؟ وهل ستحفظ دعواه وتنتفي أسباب متابعته؟ هذا ما ستخبر به الأيام القريب القادمة
. المشهد الثاني
(صدر الأمر بالإعفاء واعتبره السياسيون إقالة )
عبد الله: أحمدُ الله أنني خرجتُ منها سالما، كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، ولم تتم متابعتي فلم يبق لي غير أن أُكَفِّرَ عن ما اقترفتُه في حق من صوتوا علي وذلك بالإسراع بعمرةٍ والاغتسال بماء زمزم عسى الله يطهرني ويتجاوز عني
(يسمع صوت المقرئ: وما الله بغافل عما تعملون )
عبد الله : لقد أبليتُ البلاء الحسن، ولم أحارب التماسيح ولم أجابه العفاريت، وأقررت مبدأ عفا الله عما سلف، فيجب تعويضي بمعاش سمين، ولهم الكرسي والوزارة والأمانة العامة.. ولهم شجرة التوت بأكملها، ولي العباءة والسروال القندريسي والبلغة الفاسية والمرسديس والسائق؛ والفرجة في الحلقة بساحة جامع لفنا .
واستخلفه ٱخر وكان أسوء منه ارتفعت اثمنة المحروقات والمواد الاستهلاكية ولات المواطن خاوي الوفاض يلطم وجهه من شدة الفقر والجوع وزادت مداخيله وتكونت طبقة أخرى من النبلاء فعم البلاء وضاعت حقوق البلاد والعباد
وصدحت الحناجر وا محمداه وا محمداه الغوث الغوث