في الصميم

رمضانيات

“الجزء الرابع”

بقلم:خالد عبد اللطيف

رمضان بتجلياته الكبرى واجوائه المميزة الصاخبة ،له دلالاته الخاصة ونكهته العذبة ،وبائعو الكروش يستغلون هذا الشهر الكريم فيمارسون عملية بيع أعواد شجر الغابة لسكان المدينة ،فيخلقون رواجا بهذه الربوة المرتفعة قرب سكن عائلة آيت لكريفي ،كان كل شيء على مايرام،واهل حي بودراع وباقي الاحياء مرتاحون من تقريب هؤلاء الباعة كروشهم الى الجميع،لكن جارنا جعوط كان لهم بالمرصاد،ينهرهم بشدة لكي يخلوا هذا المكان،لم يكونوا قادرين على التصدي لهذا الشخص المأفون لاعتقادهم انه من أهل الحال،فقد كان معجبا بنفسه ،مهووسا بذاته ،مختالا بقوته كالطاووس،فقد كان موظفا مع الدولة بزي مدني،لكن هوسه بالسلطة جعله يحصل على بذلة عسكرية منحته الهيبة والفخامة والمهابة،مما جعل بائعوا الكروش يصابون بالذعر ،فكلماته الداعرة المشبعة بصبيب من السب والشتم،يتقبلونها بصدر رحب مادام لم يقدم على احتجاز سلعتهم،وأداء غرامات ثقيلة،فقد كانوا يعتقدون انه موظف بالمياه والغابات، او مايسمونه”ببوغابة”.كان موقع بيع الكروش بعيدا كل البعد عن منزل جعوط،لكن هذا الأخير ظل مهووسا بمطاردتهم،وإصدار أحكامه الجائرة عليهم…رهبة ورهاب من ثلاثة عناصر بحي بودراع،عيشة وجعوط ومريم قاهرة النساء امام السقايات…

كانت نظرات سكان الحي الى هذه المخلوقات الثلاثية تحمل في طياتها الكثير من الانكار والاستنكار لمثل هكذا سلوكات في هذا الشهر الفضيل…ولكن جعوط لم تكن تعجبه نظرات الساكنة،فكان ردة فعله سريعة تجاههم،فكان يتهم الرجال بغياب الرجولة وانهم أشبه بالنساء،لكن الرد لم يطل،فقد طلب منه رجل من حي بودراع منازلته،فتعرض جعوط لاكبر هزيمة،فتم سحله بطريقة مهينة،ومزق الزي العسكري فوق ظهره،وظهرت كدمات زرقاء أسفل واعلى عينيه،واصيب في كسر على مستوى أنفه…هلل الصغار لاندحار هذا الطاغية ،وكان بائعو الكروش هم أكثر فرحا ،فارتاحت نفوسهم،وحمدوا الله الذي سخر هذا الرجل الشجاع لردع هذا الفرعون الذين داس كرامة الفقراء والمسحوقين..جعوط لم يرض بالهزيمة،فلم يعد يرى غير مطأطئ الرأس،منكسر الخاطر،حزين القلب،زائغ النظرات،شارد الفكر.تشاء الصدف ان يتوفى احد رجال الحي موت الفجأة وسط حافلة مقبلة من زاوية الشيخ تجاه مدينة قصبة تادلة،تضامن الجيران خلال هذا الشهر الكريم،فأعدوا صدقة النعي،وكان جعوط من بين المدعوين،وقبل أن يلتحق بمكان الصدقة،اختلى بنفسه في غرفة بمنزله،وجاء بورق ووضع فيه مسحوق الصدا الذي يتوفر بكثرة عند اللحامين والحدادين ،لكنه زوجته الطيبة التي تعرف سلوكاته العدوانية حق المعرفة،قطعت عليه خلوته،فرأت ذلك الشيء الاسود في الورق،وصكت جيوبها،وقالت له صارخة:”ماذا تفعل أيها المجرم،فيم تخطط.؟”فاجابها خانقا، وقد علت وجهه كآبة صماء وغضب جارف،سوف انتقم من ذلك الجار الذي نكل به وجعلني محط سخرية بين سكان الحي وافقده هيبته…نزعت منه سمه القاتل الذي كان يود أن يدسه في كاس شايه اثناء مناسبة النعي..يتبع…

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button