أخبارثقافة و فن

لم يعد يهمني الخراب

لم يعد يهمني الخراب مهما كان شكله أو لونه أو نوعه…ولم أعد أكترث لترميم القلوب وبناء المشاعر،والحفاظ على الألفة..لأن الهوة قد كبرت،واتسع الخرق على الراتق،كل شيء حولي بدأ يفقد بريقه وسحره،ولما طال علي الأمد،غيرت الوجهة،وغيرت الطريق،واخترت لنفسي مسارا آخر،واقتنعت أن مصيري ومستقبلي لم يعد مرتبطا بما مضى بل مما هو آت،وفي عز الظهر تسللت الى حياتي مفاجآت سارة لم أكن أتوقعها،وابتسمت أشجار الصفصاف والسرو والعرعار،ولم أعد أفكر في حجم أية كارثة تقع حولي لأنني وجدت البياضات في حياتي تخيرني بين الركون الى ظلال المسك،ونسمات العبق الجبلي، وبين لحظة واخرى نصبت الخيام،ورفعت الاعلام،ووضعت صحون اللحم والبرقوق،وعرضت كؤوس الشاي والقهوة والحليب،وفي الخلوة السرية،قالت لي عرابتي”لقد نسيت إعداد السفة،ولكن في المرة المقبلة سأعدها لك،عبر الطريق ملأنا البيدو من حنفية المقبرة،كان باردا كعظام الموتى،قلت لها:”لماذا تصرين على شرب هذا الماء ، ومن يدري فقد تزورك ارواح الموتى،ضحكت وهي تسخر من نظريتي التافهة.

بقلم: خالد عبداللطيف

ولم تكن تشرب مياه الموتى المتسللة من رموسهم واجداثهم،بل كانت تستحم فجرا في الحمام…قبل أن تطرقه اقدام النساء في الصباح…كانت غريبة الاطوار،تحب الخلوة ولاتخاف من الجن الساكن في زوايا الحمام…

هل كانت هذه الأحداث هي التي صبغت البياضات بخطوط طويلة من حكايا مختلفة ومثيرة،جعلتني لا أبالي على من سيضربه الرعد او البرق…وعبر الهاتف الخلوي يصلني صوت رخيم يقول لي :”سلام خالد كيف داير مع الوحدانية”وأبتسم..لأنني منذ سنوات لم أسمع بهذه الكلمة الا عندما كنت طفلا…كان الناس يتحدثون عن الوحدانية باعتبارها تخص الموتى…لأنهم سيودعون في حفرة مظلمة،ولكن الوحدانية اليوم شكل جديد ،مليئة بلغة المغامرة والاستدراج والتوكل على الله بركوب موجات جديدة لا احد يتكهن بحوادثها…

على تلك الطاولة كانت حلوى لهبلة والفقاس موضوعة فوق المائدة،كنت مهووسا بها،تناولتها مع القهوة،وصوت يأتي من ذلك الراديو حاملة موجاته اغان مخضرمة حول عيد المولد النبوي.

هناك…عبر الأقبية والغرف السرية قلت لها:”هاذشي لي كتب عليا الله”ضحكت وهي تسوي خصلات شعرها التي عبثت بها رياح موشومة بالرعد والرعدة..وقالت لي”مالك كلتي طاجين ونعستي قرب القمر،وشربت عصير الحامض،والمشروبات الغازية،فماذا تريد اكثر من هذا؟

هناك عوض البياضات اشتعلت الشموع،واضاءت القلوب،وكثرت الحكايات،وفتحت ابواب كثيرة،قالت عنها بنت كبورة”اختر لك الباب المناسب الذي تدخل منه،واعلم انك موعود بجنات كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعة.

بعدها تأكدت أن الماضي يعود،وان البعيد عن العين بعيد عن القلب،بعد هذه الخطوات ستكون الدروب مفتوحة على ماتيسر من النجاحات…وبعدها سيكون النجاح اكبر والفتوحات مكية مزهرة…

خالد عبداللطيف.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button