أخبارالرئيسيةكلام والسلام

التصوف في المغرب الافريقي يشبه في حاضره ماضيه العريق +فيديو

بقلم/ عبدالسلام العزوزي
شكل التصوف الركن الأساس في بناء الدولة المغربية على مر العصور، وكانت الزوايا أهم المواقع أو المنصات بالمفهوم المعاصر التي يتم فيها شحذ اللحمة الوطنية وتقويتها وتغذيتها بزاد الروح المغربية المنافحة لكل اعتداء أو اختراق أو تمزق للجسم الوطني المغربي. فكانت دائما الحصن الحصين لاستمرار الدولة المغربية مع تعاقب السلاطين والملوك على حكم هذا البلد المغربي الافريقي العربي الإسلامي الواقع في الغرب الإسلامي من القارة الافريقية والمنطقة العربية.

وكانت نهاية القرن الخامس الهجري بداية بناية الزوايا الدينية التصوفية بعدما تشبع المغاربة بالتدين الذي كانت الزوايا بمثابة مشاتل للتعبد والذكر و أمكنة للتأثير في مريديها و من خلالهم في الأمة المغربية والأفريقية على السواء، وفق منهج الدولة ورؤيتها الاستشرافية التي رأت أن الاهتمام بالزوايا صمام أمان ضد كل ما من شأنه أن يزغزغ النظام المغربي في ظروف كانت فيها وسائل التواصل تعتمد على نقل الأخبار والقرارات بين القبائل المغربية عبر هذه الزوايا وعبر مبعوث رسمي للسلطان لدى قواده ومسؤوليه في تلك القبائل والمناطق الشاسعة من الإمبراطورية المغربية التي كانت تمتد إلى تخوم أفريقيا جنوبا وتلمسان شرقا والمحيط الأطلسي غربا.

وكان أول سلطان مغربي شرع في مأسسة الزوايا من خلال تشييد مقرات لها هو السلطان الموحدي يعقوب المنصور الموحدي، الذي بنى أول زاوية في مدينة مراكش، واعتنى باقي ملوك المغرب بإنشاء الزوايا، مثل زاوية “دار الضيافة” التي بناها المرينيون، و “الزاوية العظمى “التي شيدها أبو عنان فارس، ضواحي مدينة فاس العتيقة، وكانت تسمى في فترة من فترات تاريخ المغرب “دار الكرامة”.

وبعد ذلك توالت الزوايا والطرق الصوفية بالتوسع والانتشار ليس في المغرب فقط، وإنما في القارة السمراء أيضا، و التي انتشر فيها التصوف قبل أكثر من خمسة قرون، حيث اشتهرت الطرق التيجانية والقادرية والبرهانية والبوتشيشية، والزاوية الدلائية إضافة إلى زوايا أخرى معاصرة ظهرت في القرن العشرين في جنوب الصحراء الأفريقية.

ولعل المغرب البلد الإسلامي والعربي والافريقي الذي فطن إلى ما قد تلعبه هذه الزوايا من أدوار طلائعية في تثبيت المذهب المالكي ونشره لدى مريدي هذه الزوايا المنتشرين في مختلف بقاع العالم والذين يعدون بالملايين اليوم. كما أن المملكة المغربية درست جيدا الحكمة السياسية من وراء إحداث هذه الزوايا والاهتمام بها وبالطرق التي تنشر قيم التعايش والحوار فيما بين الثقافات والحضارات الكونية.
واتسم التصوّف المغربي بقيم عصرية مميزة، ولعبت الزوايا الصوفية دورا مهما في بناء الدولة ورص أركانها ومؤسساتها، وأضحت منصة للتنشئة والتربية الدينية؛ إذ تميز مريدو الزوايا المغاربة بطريقة خاصة في التربية والسلوك، ما جعل صيتهم يتجاوز حدود المملكة، ويمتد لبلدان جنوب الصحراء الأفريقية.
والحضور المغربي الديني والثقافي ظل حاضرا ومتواصلا بأفريقيا جنوب الصحراء على مدى العصور. وإلى يومنا هذا، ما زالت الزاوية التيجانية محافظة على استمرارية الروابط التاريخية التي جمعت بين المغرب وبلدان “السودان الغربي”، عبر تاريخه الإسلامي، بالإضافة إلى الدور التاريخي الذي لعبته مدينة فاس العاصمة الدينية و الروحية و العلمية التي يتوافد عليها الأفارقة ليتتلمذوا على يد علماء جامع القرويين التي كانت دائما وما تزال صرحا دينيا تعبديا وصرحا علميا تخرج منه العديد من العلماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وتعتبر الطريقة التيجانية الشهيرة والمؤثرة في مريديها كما هي مؤثرة في صناعة القرار السياسي الافريقي، وأيضا الطريقة البودشيشية بمداغ في إقليم بركان، والتي شاع صيتها بشكل كبير وسريع خلال السنين الأخيرة في أفريقيا وفي دول عربية وعجمية في الغرب كما في الشرق. وهاتان الزاويتان بالأخص يحج إليها الناس من كل حدب وصوب للتبرك بشيوخها وأيضا لاجراء عملية شحن لطاقة روحية ربانية ترفع من مستوى المنسوب الروحي والتعبدي لهؤلاء المريدين من مختلف الفئات والأعمار و مختلف المستويات العلمية والفكرية والاجتماعية أيصا.
ويمكن القول بأن التناغم المغربي الافريقي والتناسق إلى حد التشابه أحيانا، يظهر في حياة المغاربة وملابسهم، وحتى نغماتهم الموسيقية في مظهرها النغمي والإيقاعي والآلاتي؛ وهو ما يمكن استكشافه وأنت تتجول في المدن المغربية العتيقة حيث تتجلى لك العديد من مظاهر الأصول الأفريقية التي توحي بتقارب في جوانب اللغة والموسيقى و الفن و اللباس أيضا وحتى في أسلو ب المعمار وشكله، مما يبرز تمازجا حضاريا بين المغرب وبلدان أفريقيا الغربية يشبه في حاضره إلى حد ما، ماضيه العريق الممتد في العمق الإفريقي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button