المغرب بين رهانات الديمقراطية والإصلاحات القانونية والتحولات الاقتصادية والدبلوماسية

تزامناً مع احتفاء العالم باليوم الدولي للديمقراطية، يعود النقاش مجدداً حول التجربة المغربية التي تميزت بخصوصية مسارها التدريجي، لكنها ما تزال تواجه تحديات عميقة على مستوى التمثيلية والثقة في المؤسسات. فبينما يشدد باحثون في العلوم السياسية على أن النموذج الديمقراطي لا يقبل الاستنساخ من التجارب الغربية، بل يتعين أن ينبني على خصوصيات المجتمع المغربي وثقافته السياسية، تظل الفجوة قائمة بين النصوص الدستورية المتقدمة والممارسة الواقعية، وهو ما يثير انتقادات بشأن قدرة الأحزاب على تجديد نخبها وتعزيز المشاركة الفاعلة للشباب.
وفي خضم هذا النقاش، يؤكد محللون أن تكريس الخيار الديمقراطي يصطدم بضعف استقلالية المؤسسات وغياب التوازن بين السلط، إضافة إلى تغوّل الفساد الذي يُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها، معتبرين أن استعادة الثقة تقتضي إصلاحاً مؤسساتياً شاملاً يعزز الرقابة والمساءلة، ويجعل من الديمقراطية ممارسة يومية وليست مجرد نصوص مؤجلة. وقد ازداد الجدل مع نشر القانون الجديد للمسطرة الجنائية في الجريدة الرسمية دون إحالته على المحكمة الدستورية، إذ اعتبرت جمعيات مدنية الخطوة تراجعاً عن المكتسبات التي تخول للمجتمع المدني أدواراً رقابية في محاربة الفساد، بينما شددت وزارة العدل على أن النص يمثل محطة مفصلية في ورش تحديث السياسة الجنائية وضمان المحاكمة العادلة وتعزيز الحقوق والحريات.
وبينما تواصل المبادرات الرمزية تعزيز الروابط الروحية والوطنية، شهدت أزغنغان بالناظور تسليم هبة ملكية لضريح الشريف محمد أمزيان بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لوفاة الملك الراحل الحسن الثاني، في حفل ديني حضره عامل الإقليم ومسؤولون محليون وشخصيات دينية وعلمية. وعلى المستوى الاقتصادي، تم انتخاب المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة، طارق أمزيان مفضل، رئيساً للتكتل الصناعي للطاقات المتجددة “ما-كلوستر”، في خطوة تؤكد دور المغرب في دينامية الانتقال الطاقي.
كما احتضنت العاصمة الرباط فعاليات أسبوع الأمن السيبراني الإقليمي تحت شعار “من أجل تنمية رقمية آمنة ومستدامة”، بمشاركة وطنية ودولية لتعزيز القدرات في مواجهة الهجمات السيبرانية المتصاعدة. وفي المجال البحري، حصلت المصايد المغربية على اعتراف رسمي من السلطات الأمريكية بامتثالها لمعايير حماية الثدييات البحرية، ما يفتح الباب أمام ولوج الأسماك المغربية إلى السوق الأمريكية.
دبلوماسياً، واصل المغرب تقديم رؤيته للشراكة الأورو-متوسطية خلال خلوة رفيعة المستوى احتضنتها الرباط، حيث دعا وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى صياغة خارطة طريق طموحة لإخراج الاتحاد من أجل المتوسط من الجمود وتحقيق نتائج ملموسة. وعلى صعيد التكوين، أعطى وزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري الانطلاقة الرسمية للموسم الجديد بمدينة المهن والكفاءات ببني ملال-خنيفرة بطاقة استيعابية تفوق 418 ألف مقعد بيداغوجي.
وفي جنيف، دقت منظمات حقوقية ناقوس الخطر بشأن استمرار ممارسات العبودية في مخيمات تندوف، مطالبة بتحقيق دولي في انتهاكات الكرامة الإنسانية. أما أمنياً، فقد استقبل عبد اللطيف حموشي المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي، حيث ناقش الطرفان سبل تعزيز الشراكة الثنائية في مواجهة التهديدات الإرهابية الإقليمية والدولية.
قضائياً، وجّه رئيس النيابة العامة هشام بلاوي دورية إلى المسؤولين القضائيين بشأن تنزيل قانون المفوضين القضائيين بما يضمن الشفافية وحماية الحقوق، فيما عزز المغرب تعاونه مع اليابان لمكافحة توحل السدود عبر مشروع للتدبير الشامل للترسبات.
اقتصادياً، كشف تقرير صادر عن موقع “أفريكان إكسبونات” أن المغرب احتل المرتبة الثالثة عربياً والرابعة إفريقياً في معدلات الادخار بنسبة تفوق 27 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يعكس تنوع البنية الاقتصادية الوطنية. وعلى الصعيد البرلماني الدولي، أجرى رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي سلسلة مباحثات مع مسؤولين برلمانيين وحكوميين في فنلندا لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.
بهذا تتقاطع القضايا السياسية مع الإصلاحات القانونية، وتتداخل المبادرات الاقتصادية مع الدينامية الدبلوماسية، في مشهد يبرز التحديات والرهانات التي يواجهها المغرب على درب تكريس الخيار الديمقراطي، تعزيز الثقة في المؤسسات، والانخراط الفاعل في القضايا الإقليمية والدولية.



