تأهل تاريخي للمونديال وسط فضائح وتحقيقات إدارية ونقاشات سياسية واقتصادية

في ليلة كروية تاريخية، نجح المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم في تحقيق إنجاز كبير بتأهله رسميًا إلى نهائيات كأس العالم 2026، بعد فوزه الساحق على منتخب النيجر بخمسة أهداف دون رد على أرضية المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط. وبفضل أداء هجومي قوي وسيطرة مطلقة منذ الدقائق الأولى، تمكن “أسود الأطلس” من فرض إيقاعهم على مجريات المباراة، مستغلين النقص العددي في صفوف الخصم إثر طرد أحد لاعبيه في الدقيقة السابعة والعشرين. وبينما وقع إسماعيل الصيباري هدفين رائعين، أضاف أيوب الكعبي وحمزة إيغامان وعز الدين أوناحي ثلاثة أهداف متتالية، ليؤكد المنتخب حضوره القوي في التصفيات ويضمن بطاقة العبور قبل جولتين من نهايتها.
وبالانتقال إلى الشأن الداخلي، تتواصل تداعيات ملفات العزل في الجماعات الترابية، حيث باشرت لجان تفتيش مركزية تحقيقات واسعة حول قرارات اتخذها رؤساء بعض المجالس المحلية في حق موظفين جماعيين، وسط مؤشرات على تجاوزات في تدبير الموارد البشرية. وقد كشفت معطيات أولية عن وجود شبهات تتعلق بإغراق المصالح الجماعية بعمال عرضيين وتعيين مقربين في مناصب حساسة، بعيدًا عن المعايير القانونية والكفاءة المهنية. وامتدت التحقيقات لتشمل آليات “الوضع رهن الإشارة” واستعمالها بشكل انتقائي، في وقت تعاني فيه العديد من المصالح من خصاص مهول في الموارد البشرية بسبب تنامي حالات الالتحاق بمؤسسات عمومية أخرى دون تعويض هذا النقص.
وفي سياق سياسي متصل، تصاعد النقاش الوطني حول الجهة المشرفة على الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث تباينت مواقف الأحزاب السياسية بين مؤيد للإبقاء على وزارة الداخلية كجهة أساسية في الإشراف على العملية الانتخابية، وبين من يطالب بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لضمان حياد الإدارة ونزاهة الاستحقاقات. وفي ظل هذا الجدل، يرى خبراء في القانون الدستوري أن وزارة الداخلية تبقى، بحكم قدراتها اللوجستية والتنظيمية، الأكثر تأهيلاً لتدبير هذه المرحلة، مع التأكيد على ضرورة تطوير آليات رقمنة الانتخابات وتمكين الأحزاب من المراقبة الكاملة لجميع مراحلها. كما يبرز دور السلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في مواكبة العملية وتعزيز شفافيتها، بما ينسجم مع التوجهات الملكية الرامية إلى ضمان مصداقية الاستحقاقات الديمقراطية.
أما في قطاع التعليم العالي، فقد عبرت هيئات أكاديمية عن رفضها لصيغة مشروع القانون الجديد المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، معتبرةً أنه لم يرتكز على مقاربة تشاركية حقيقية وأنه يشكل تراجعًا عن مكتسبات سابقة. وطالبت هذه الهيئات بتعزيز استقلالية الجامعات وتكريس آليات انتخابية شفافة في تسيير مجالسها، مع مراجعة الضوابط البيداغوجية وتثمين دور الأساتذة الباحثين كشركاء أساسيين في أي إصلاح جامعي. كما شددت على ضرورة تسوية ملفات عالقة، أبرزها ملف الدكتوراه الفرنسية، والترقيات الإدارية، وتحقيق العدالة في المسار المهني للأساتذة.
وفي إطار الاستثمار والتنمية الجهوية، أوضح وزير الداخلية أن مشروعًا استثماريًا ألمانيًا بمدينة وزان، تصل قيمته إلى 12 مليار سنتيم، لم يتم تنفيذه بعد بسبب تواجد العقار المخصص للمشروع داخل منطقة فلاحية غير مهيأة، مؤكداً أن القوانين الجديدة تتيح إمكانية دراسة مثل هذه الملفات عبر لجنة الاستثناءات، مع منح الكلمة الأخيرة لرئيس الحكومة في حال استيفاء الشروط التقنية والقانونية.
ومن جهة أخرى، برزت أزمة الماء الصالح للشرب بجهة طنجة تطوان الحسيمة كملف حيوي، حيث وجه والي الجهة انتقادات حادة للمسؤولين عن تدبير القطاع بسبب الانقطاعات المتكررة التي طالت عدداً من القرى والدواوير. وأكد على ضرورة ضمان العدالة المجالية في التوزيع وتنزيل البرامج الوطنية الرامية إلى تقليص الفوارق بين المناطق، مع التعجيل بتشغيل قناة الربط المائي بين سدي وادي المخازن ودار خروفة لتأمين احتياجات الساكنة بشكل عاجل.
اقتصاديًا، حققت صادرات المغرب من الحمضيات الصغيرة نحو الاتحاد الأوروبي قفزة نوعية، حيث بلغت 137 ألف طن منذ بداية الموسم التسويقي 2025/2024، ما عزز مكانة المملكة كثاني أكبر مزود للسوق الأوروبية بعد جنوب إفريقيا، متقدمة على تركيا. كما شهدت صادرات البرتقال المغربي نحو أوروبا زيادة ملحوظة، إذ وصلت إلى نحو أربعة آلاف طن، ما يعكس دينامية القطاع الفلاحي الوطني وتعزيز تنافسيته في الأسواق الدولية رغم حدة المنافسة مع مصر وجنوب إفريقيا.
وفي السياق الاقتصادي ذاته، فتحت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تحقيقات معمقة بشأن شبهات غسل أموال تورطت فيها شركتان متخصصتان في الاستيراد والتصدير بكل من الدار البيضاء وأكادير. وتستند التحقيقات إلى معطيات تقنية دقيقة تم تحليلها عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي، بعد رصد تناقضات كبيرة بين الأرباح المصرح بها وحجم المعاملات الفعلية. وتركز الأبحاث الجارية على تتبع شبكات محتملة لتبييض أموال مرتبطة بأنشطة تجارية مشبوهة، وسط تعاون بين مصالح الضرائب والجمارك لتعزيز الرقابة المالية والتصدي لكل أشكال التحايل الاقتصادي.
وهكذا، بين الإنجاز الرياضي التاريخي، والتحقيقات الإدارية والاقتصادية، والملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحيوية، يتضح أن المغرب يعيش مرحلة دقيقة تتقاطع فيها رهانات كبرى على مستويات مختلفة، تتطلب تضافر الجهود وتكامل الأدوار من أجل تعزيز مكانة البلاد إقليمياً ودولياً.