أخبارالرئيسيةثقافة و فن

حميد بركي..المستقرئ الذي يُحرج المعنى ويسكت المُدّعين

بقلم: القبطان عبدالله دكدوك

ما بين التبجيل المفرط والنقد الأكاديمي الجاف، يبرز نوع خاص من الكتابة الفكرية لا يجامل ولا يحاكم، بل يفتح مجازًا تحليليًا يُقدّر التجربة من داخلها، عبر تفكيك أدواتها، واستقراء منطقها، ومساءلة أثرها.

هذا النوع من النصوص يُعرف بـ:”الكتابة التقديرية التحليلية”، أو “المقال المفاهيمي النقدي المُعترف”، وهو نص لا يمدح الأشخاص بل يحاورهم من داخل فكرهم، ويمنحهم مقامًا معرفيًا لا يقوم على التهويل، بل على إعادة تشكيل الصورة من خلال العقل النقدي.

مفارقات عقلية تحليلية بين الاستقراء والنقد أو: الفكمزة كتطعيم مفاهيمي ومباغتة نقدية

ومن هنا، جاء هذا النص حول الدكتور حميد بركي، لا شهادة فيه ولا قراءة سريعة، بل تفكيك لفعله المستقرئ، ولحضوره داخل بنية الخطاب الأدبي والنقدي.

1. الاستقراء: كفعل اختراقالدكتور حميد بركي لا يقرأ النصوص، بل يستدرجها إلى مكمنها العميق، حيث تمارس اللغة أخطر أفعالها: الإخفاء.الاستقراء لديه ليس مسلكًا منهجيًا بالمعنى التقليدي، بل هو فعل اختراق ذهني، ينفذ إلى مسامات القول، ويكشف طبقات المعنى المهملة أو المهروسة تحت ثقل العادة القرائية.

2. الفكمزة: دهاء قرائي ومصطلح مفهومي في معجم د.حميد بركي، لا تظهر الفكمزة كمجرد انزياح اصطلاحي، بل كـموقف معرفي هجومي، تتقاطع فيه الفطنة القرائية مع الذكاء النقدي الحاد.

الفكمزة هي لحظة القبض على انزلاق النص، حيث تُفاجئ اللغة بما لم تقله صراحة، ويتم تطعيم التحليل بمفاجآت قرائية تضرب على وتر اللامنتبه إليه.

3. بين النقد والإدراك: المسافة الحرجة ..د.حميد بركي لا يهادن النصوص، بل يقف منها على مسافة حرجة، تمنحه قوة التساؤل، وتُخرجه من دور الناقد الذي يُعيد ترتيب الأقوال، إلى دور المفكك الذي يُعيد ترتيب منطق الكتابة ذاته.النقد عنده ليس طقسًا ولا تمارين تأويل، بل مشروع وعي متوتر، يتمدد في المفاصل الهشة للنص، حيث يُحتمل المعنى ولا يُقَال.

4. اللغة عند حميد بركي: غواية المفارقة ودهاء الصياغةفي لغة حميد بركي، تسكن المفارقة لا كزينة بل كأداة تفكيك. هو لا يكتب بماء اللغة بل بنارها.

عباراته تشبه الشِّراك المفهومية، تُدهشك وأنت تظن أنك فهمت، وتُصيبك في اللحظة التي تطمئن فيها للمعنى.هو يكتب كما يفكر: بالمباغتة، بالدهشة، وبالمكر الفكري.

5. في وجه المُقللين من فكره: الإعجاز في العقل لا في التلقين لكل من يهوّن من فكر الأديب المستقرئ الدكتور حميد بركي، نقول: أن تفهم بركي لا يكفي، بل يجب أن تتعلّم كيف تفهمه.

هو لا يمنحك معاني جاهزة، بل يزرع فيك الشكّ حتى تصير أنت نفسك نصًا مستفَزًّا.الإعجاز هنا ليس في الزخرف البلاغي، بل في الهندسة العقلية لنظام تفكيره، الذي يضع القارئ وجهًا لوجه أمام حقيقته كفاعل (أو مفعول به) في النص.

ختاما اقول: في زمن تراجع فيه العقل التأويلي أمام حميد بركي… المستقرئ الذي يُحرج المعنى ويسكت المُدّعين الثقافي، يبرز الدكتور حميد بركي كـحالة فكرية منفلتة من التصنيفات، تشتغل بأدواتها الخاصة، وضمن رؤيتها للغة والمعنى.هو لا يُقرأ فقط، بل يُعاد اكتشافه في كل قراءة.

إنه المستقرئ الذي لا يعترف بالقراءة إلا حين تكون استنطاقًا، ولا بالنقد إلا حين يكون تحقيقًا معرفيًا لجرائم المعنى الغامضة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال تأملي زاخر، يجعلنا أمام حالة استثناء، تستوجب الكثير من الحرص حين مواجهتها للغوص في مداركها وفهم مراميها… تحية إليكم أخي عبد الله قد أبدعتم بحق في تقديمكم التحليلي هذا، بلغتكم العميقة ومرجعيتكم النقدية الهادفة.. وتحية إلى الدكتور حميد بركي الذي أتمنى أن توضع حروفي بين بصره وبصيرته لاستقرائها بالخلفية التي قدمتم.. صرامة وصراحة في التناول وذاك مطمحي منذ حملت القلم لمساكشة الحروف واستفزازها..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button