Hot eventsأخبارأخبار سريعةالمرأةجهات المملكةمجتمع

مستشفى الغساني بفاس… شعار “الصحة للجميع” يتعارض مع واقع يطبعه الابتزاز

فاس – يرفع مستشفى الغساني بفاس لافتة كبرى على مدخله كتب عليها بوضوح “كل شيء بالمجان”، وهو شعار يعكس السياسة العمومية التي تؤكدها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بأن الخدمات الصحية الأساسية متاحة لكل المواطنين دون مقابل. غير أن ما يعيشه المرتفقون في قسم الولادة بالمؤسسة يروي قصة مغايرة تماماً، حيث تتحول أبسط الخدمات إلى مصدر للابتزاز المالي، لتبقى الأسر رهينة واقع لا ينسجم مع الخطاب الرسمي.

ففي شهادات متطابقة لعدد من المرتفقين، تمت الإشارة إلى أن الرشوة باتت ممارسة شبه يومية داخل ممرات القسم، تبدأ من البوّاب وتنتهي عند بعض الأطر الصحية، مروراً بالممرضات، المسؤولين عن التخدير، وحتى عاملة النظافة. هذه الأخيرة، ورغم تقاضيها أجراً من الدولة، تطالب المرضى بمبالغ مالية تصل إلى 20 درهماً مقابل أبسط الخدمات، في حين ترتفع المبالغ المطلوبة من قبل بعض الأطر الطبية إلى ما يتجاوز 300 درهم في حالات محددة.

وتتجلى مظاهر هذا الابتزاز بشكل صارخ في مسار التحاليل الطبية، حيث يفترض أن لا تستغرق تحليلة الدم سوى وقت قصير، لكنها داخل مستشفى الغساني قد تمتد إلى خمس ساعات كاملة، يتم خلالها الضغط على أسر الحوامل لدفع مبالغ مالية. والأدهى من ذلك أن بعض العينات يتم إتلافها عمداً لإطالة أمد الانتظار ومضاعفة الضغوط، وهو ما يعرّض حياة الأمهات والأجنة للخطر المباشر.

وفي حادث وقع ليلة الخميس-الجمعة 14\15 غشت 2025، وصلت سيدة رفقة زوجها إلى قسم الولادة حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، لتجد نفسها وسط مسلسل طويل من الانتظار والابتزاز. ورغم وضعها الصحي الحرج، لم تُجرَ لها العملية القيصرية إلا في تمام الساعة السابعة والنصف من صباح الجمعة، بعد أكثر من سبع ساعات من التماطل والإهمال، حيث كادت أن تفقد حياتها جراء الخلاف القائم بين الممرّض المكلف بالتخدير والطبيبة المسؤولة عن العملية.

ولم يتحرك الطاقم الطبي لتدارك الوضع إلا بعد احتجاج الزوج بلغة صارمة، مهدداً باللجوء إلى القضاء ووسائل الإعلام، وهو ما دفع المستشفى على الفور إلى تحضير التحاليل التي تأخرت خمس ساعات، تجهيز الملف الطبي، واستدعاء الطبيبة لإجراء التدخل الجراحي في الساعات الأولى من الصباح.

غير أن الغرابة لم تقف عند هذا الحد، إذ فوجئت السيدة وهي على سرير العملية بابتزاز جديد من قبل الممرض المكلف بالتخدير، الذي خاطبها قائلاً: “هل تعرفين كم ستدفعين؟ 1000 درهم أو 1500؟ ولماذا لم يأخذك زوجك إلى مستشفى خاص بما أنه يتوفر على تغطية صحية؟”. وهو ما يبرز تحول العملية الطبية إلى ورقة مساومة مادية، في تناقض صارخ مع أبسط القيم الإنسانية والمهنية.

وهنا يجد المواطن نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: إما الخضوع لمنطق “الدفع مقابل الخدمة” أو مواجهة الإهمال والانتظار الطويل في لحظة حساسة وحاسمة كمرحلة الولادة، حيث حياة الأم والمولود في الميزان. وهو ما يعكس، حسب متتبعين، خللاً بنيوياً في منظومة الحوكمة داخل المستشفى، ويطرح أسئلة كبرى حول آليات المراقبة والمحاسبة.

كما أن هذه الممارسات تضرب في الصميم مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية التي تسعى الدولة لترسيخها من خلال تعميم التأمين الإجباري عن المرض وتجويد الخدمات الصحية العمومية. ويعتبر مختصون في الشأن الصحي أن استمرار هذه الظواهر من شأنه أن يضعف ثقة المواطنين في القطاع العام ويدفع شريحة واسعة منهم للجوء إلى القطاع الخاص رغم كلفته الباهظة.

وفي انتظار تفعيل آليات الرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة، يبقى قسم الولادة بمستشفى الغساني نموذجاً صارخاً للتناقض بين الخطاب والممارسة، حيث يظل المواطن أمام شعار “الصحة للجميع”، لكن بواقع “كل شيء بمقابل”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button