عبق الذكرى… ووشوشات القلب

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
كان الصباح ثقيلاً على صدري، كأن الهواء نسي طريقه إلى رئتي. شعرتُ بتلك الحركة الغريبة في صدري… يعلو وينخفض كأرجوحة عجوز. أصغيت لدقات قلبي… كانت تنبض لا كإيقاع حياة، بل كنداء مستغيث. وضعت راحتي على رأسي، أتحسس حرارة خفية، والعرق يتسلل من جبيني مثل حروفٍ مذعورة تبحث عن مأوى.
همست لنفسي بدعاء قديم:
“يا الله، خفف عني هذا الألم.”
رنّ الهاتف… نظرت بشيء من التردد.
رقم… حفيدتي الحبيبة.
كان في صوتها دفء لا يشبه سائر الأصوات. ضحكت كأنها تُغني، وقالت بشقاوة حب:
“جدي بّا… قم! ارتدِ بدلتك الأنيقة، ولا تنسَ عطرك ‘مذهلة’… نريده أن يملأ البيت برائحة العود والعنبر.”
ابتسمت رغم الألم، وربما بفضل كلماتها… انفرج ضيقي كأن شيئًا من الحياة تسلل إلى صدري من جديد.
“ولماذا؟” سألتها.
فأجابت بفرح الطفولة:
“لأنه يوم ميلادك، يا نبعنا الدافئ!”
ياااه… يوم ميلادي!
تزحزحت من مكاني ببطء، ولكن قلبي كان يعدو بي نحو الوراء…
ستة عقود وست سنوات… لم تكن رحلةً طويلة في ذاكرة شيخ، بل كانت صورةً مرت، كما يمرُّ طيفٌ على صفحة ماء.
وقلت لنفسي:
“مضت الحياة كرمشة عين… وأجمل ما فيها أنهم… هم. أحفادي. امْتدادي. ثمري الناضج… وحناني بضع مني”
تتابعت المكالمات.
أحفادي جميعهم، كلٌّ منهم يحمل في صوته ضوءًا، وكأنهم يعيدون تشكيل قلبي بصوتهم امين ولدي يبعث لي رسوماته التي تجسد رحلة سفر لرجل مسن من طفولته إلى شيخوخته وملاك الجميلة ترقص فرحا على أطراف أصابعها بخفة وجمال وكأنها راية الوطن تخفق في عيد النصر.
حتى “الأميرة الصغيرة”… نعم، هي، اتصلت تهديني أعز ما تملك:
“سلطانة” – دميتها التي لا تنام إلا في حضنها.
ضحكتُ. أو ربما بكيتُ دون أن يراني أحد.
لكل من أهداني كلمةً، أو ذكرى، أو نظرة حب…
أدعو له بالعافية، وطول العمر، ونقاء القلب.
فالزمن يمضي، لكنّ القلوب العامرة بالحب والحنان … تبقى.



