دعم الصحافة في المغرب: غياب الشفافية وتضارب المعايير يهددان استقلالية الإعلام

كشف تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات عن اختلالات جوهرية تعاني منها منظومة الدعم العمومي الموجه إلى قطاع الصحافة في المغرب، محذرا من أن غياب الشفافية والمعايير الموحدة يهددان بتحول هذا الدعم من آلية لدعم حرية الصحافة إلى أداة للتأثير على الخط التحريري للمنابر الإعلامية.
ووفق التقرير، فإن الحكومة الحالية أوقفت نشر لوائح المقاولات المستفيدة من الدعم العمومي،وهو ما يعد تراجعا عن نهج الشفافية الذي دأبت عليه الحكومات السابقة.
هذا التراجع يطرح إشكالات حقيقية تتعلق بحق المواطن في مراقبة صرف المال العام،كما يحد من إمكانية مساءلة الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين في هذا الملف الحساس.
دعم غير متكافئ ومعايير مبهمة
يسلط التقرير الضوء على غياب معايير واضحة وموحدة لتوزيع الدعم، وهو ما ينتج تفاوتات صارخة بين المؤسسات الإعلامية،حيث تمنح بعض المنابر الكبرى مبالغ ضخمة، بينما يتم تهميش فاعلين صغار يعانون في سبيل البقاء.
كما أشار التقرير إلى أن الصحافة الرقمية لم تراع خصوصياتها التقنية والاقتصادية،إذ لم يتم خصم التكاليف التي لا تتحملها مقارنة بالصحافة الورقية، مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين أنماط الإنتاج الصحفي.
من جهتها،اعتبرت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف أن “الدعم العمومي لا يوزع بناء على منطق الكفاءة والاستحقاق، بل يخضع أحيانا لاعتبارات غامضة وغير موضوعية”.
أزمة محاسبة وتقييم غائب
ولفت التقرير إلى أن آخر تقييم رسمي للدعم العمومي يعود إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2016 و2017، ما يعني أن السلطات العمومية تواصل صرف المال العام دون وجود آليات صارمة لتقييم الأثر أو مراقبة الأداء.
غياب التقييم والدراسات المستقلة يضعف من نجاعة الدعم ويثير تساؤلات حول مدى ارتباطه فعليا بجودة المنتوج الصحفي أو بإسهام المؤسسات المستفيدة في تعزيز التعددية الإعلامية.
دعم يهدد استقلالية الإعلام
أحد أخطر ما رصده التقرير هو تحول الدعم العمومي إلى تمويل مباشر لأجور العاملين،بما فيهم أحيانا أصحاب المقاولات أنفسهم،بدلا من الاستثمار في التكوين-التجهيز أو الابتكار الإعلامي.
هذا التحول وفق محللين يمكن السلطة التنفيذية من التأثير على استقلالية المؤسسات الإعلامية خاصة في ظل سياق سياسي تتزايد فيه مؤشرات التبعية الإعلامية لبعض المنابر.
و عبر نور الذين مفتاح الرئيس الاسبق للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عن قلقه من هذا الوضع بقوله: “الدعم الاستثنائي كان فعلا خارج القانون ويجب أن يعاد النظر في الإطار التشريعي إذا كانت الدولة تنوي الاستمرار في أداء أجور العاملين نيابة عن المقاولات”.
دعوات لإصلاح شامل ومحاسبة شفافة
أوصى التقرير بضرورة إعادة هيكلة منظومة الدعم العمومي وفق معايير شفافة وعلنية،تشمل:
• تقييم الأداء الإعلامي للمؤسسات.
• ربط الدعم بتحقيق أهداف واضحة (التعددية-الابتكار-التشغيل).
• تفعيل دور المجلس الأعلى للحسابات في المراقبة.
• إلزام المجلس الوطني للصحافة بنشر قوائم حاملي البطاقة المهنية.
• تعزيز دور البرلمان في مراقبة سياسة الدعم وآليات صرفه.
كما دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الرفع من الغلاف المالي المخصص للصحافة،مع التأكيد على ضرورة ربط الدعم بتحقيق التنوع الإعلامي وضمان استدامة الفاعلين الجادين.
يشكل الدعم العمومي للصحافة آلية استراتيجية لدعم حرية الإعلام وتعزيز التعددية،لكنه في ظل غياب الشفافية والتقييم، يمكن أن يتحول إلى وسيلة للضبط والسيطرة بدلا من التنمية.
إن إصلاح هذا النظام لا يجب أن يكون تقنيا فقط،بل سياسيا ومؤسساتيا لضمان ألا يتحول الإعلام إلى مجرد امتداد صوتي للسلطة،بل إلى فاعل مستقل في بناء مجتمع ديمقراطي حر.



