أخبارالرئيسيةفي الصميم

مغرب الحضارة..التنمية العادلة ممكنة

التعمير قد يعطلها أو يسرعها: وجب الحزم– الجزء 12 –

بقلم: عزيز رباح- وزير أسبق

في المقال السابق (الجزء 11) تم عرض بعض الاختلالات ومظاهر الفساد في التعمير التي كلفت بلادنا أثمانًا اقتصادية واجتماعية وأمنية كبيرة. كما تم التأكيد على أن الحزم الذي اتسمت به تدخلات بعض المسؤولين في أقاليم معينة أعطى نتائج معتبرة.

هذا الحزم يترجم التزام هؤلاء المسؤولين بأمانة المسؤولية والثقة التي وُضعت فيهم، وفي الوقت نفسه يُعد شهادة إدانة في حق آخرين جعلهم الكسل أو التواطؤ يرتكبون جرمًا كبيرًا في حق الدولة والمجتمع.

ومن المؤكد أن التعمير، بحكامة جيدة تبتدئ بحسن التخطيط وتنتهي بالمراقبة الصارمة، قد يسرع من عجلة التنمية بكل أبعادها، ويساهم في بناء مغرب صاعد يسير بالوتيرة نفسها.

وأعرض بعض مفاتيح التنمية التي يتيحها التعمير في المدن كما في القرى، انطلاقًا من الدراسة والتجربة والمتابعة:

أولًا – تصميم التهيئة

يجب إعداد تصميم التهيئة بناءً على أهداف ملزمة لجميع المتدخلين، تأتي على رأسها: محاربة الفقر، خلق الثروة، سلاسة التنقل، التنشيط الاقتصادي، تيسير الخدمات، التوازن البيئي، الاندماج السكاني، التأهيل العمراني، والتنشيط الثقافي والرياضي…

فأهل الاختصاص يدركون أهمية هذه الأهداف في خلق فضاء سليم للعيش، وتحسين ظروف المواطنين، والرفع من الإنتاجية، وخلق فرص الشغل، وتعزيز جاذبية المجال، ومعالجة الكثير من الاختلالات المرتكبة.

ويمكن بذلك تجاوز المنطق السائد في مقاربة إعداد التصاميم، الذي ينصب بالدرجة الأولى على التنطيق الإسكاني وبعض المرافق الضرورية.

ولذلك وجب إرفاق مشروع تصميم التهيئة، قبل المصادقة عليه، بملحق يتضمن مؤشرات نوعية وكمية لكل هدف، مع معطيات تفصيلية لكيفية إنجازه.

ثانيًا – تصميم التهيئة القطاعي

عندما أقر التشريع في مجال التعمير إمكانية إعداد تصميم التهيئة القطاعي، فإنه فتح الباب أمام اجتهاد كبير لاستيعاب التحولات والحاجيات الجديدة التي لا يمكن لتصميم التهيئة العام الاستجابة لها، بحيث يمكن اختيار مناطق معينة داخل المدار الحضري وتخصيصها بتصاميم قطاعية.

فتحويل منطقة صناعية أو فلاحية مهجورة أو متجاوزة إلى منطقة سكنية وخدماتية وتجارية بمواصفات جاذبة، يرفع من قيمة العقار، ويخلق فرصًا كثيرة للشغل، ويدعم مداخيل المدن، ويوفر السكن لفئات جديدة صاعدة، ويزيل تشوهات ومظاهر سلبية تؤثر على جمالية المدن.

كما أن تحويل منطقة سكنية قديمة مكتظة بالسكان قليلة المرافق، عسيرة في التنقل والتجوال، وحاضنة لبؤر الإجرام أو الانحراف أو الفقر، إلى حي متوسط الرقي يضم عمارات متوسطة العلو للسكن، ومرافق تجارية واجتماعية ومهنية، سيساهم في اغتناء الأسر بالرفع من قيمة مساكنها، ويحسن ظروف العيش، ويفتت التجمعات الحاضنة للبؤر السلبية.

ثالثًا – أحياء إدارية مندمجة

تحتضن المدن العديد من المقرات المخصصة للمصالح الوزارية والمؤسسات العمومية والمقرات الرئيسية للبنوك والتأمينات والشركات والمستودعات العمومية، التي تستوعب الآلاف من الموظفين وتستقبل أضعاف ذلك من المواطنين.

ومن شأن إحداث أحياء إدارية على أطراف المدن أن يساهم في تحقيق أربعة أهداف:

  1. تجويد الاستقبال والخدمات المقدمة للمواطنين بفضل جودة البنايات الحديثة وخدماتها، وقرب الإدارات من بعضها، وتوفير مواقف السيارات.
  2. التخفيف من الازدحام في المدينة، خاصة في أوقات الدخول والخروج من العمل، بتوجيه آلاف السيارات إلى الحي الإداري الجديد القادم إليه من محاور متعددة.
  3. استثمار العقارات المتخلى عنها في مشاريع نوعية تضيف جمالية للمدن وحركية متعددة المجالات، وتمنح أصحابها رصيدًا جديدًا لاستثماره.
  4. استغلال الدولة لرصيدها العقاري في مشاريع أخرى أو مبادلته بأراضٍ جديدة أو تسخيره لبناء الإدارات الجديدة.

رابعًا – الاستثناءات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي

يمكن، بقرار معلل ومتوافق عليه، إضافة طابق للبنايات في الأحياء القديمة، وخاصة ذات الأزقة الواسعة، وتحويل الطابق الأرضي إلى تجاري، مما يساهم في مداخيل إضافية للأسر، ويساعد في حل أزمة السكن لفائدة ذويهم، كما يوسع النشاط التجاري والحرفي، ويساهم في إدماج بعض الأنشطة غير المهيكلة.

كما يمكن، برخص استثنائية معللة، إحداث مناطق للتنشيط الاقتصادي في محيط المدن أو في القرى المجاورة أو في المراكز القروية، لتحتضن أسواقًا تجارية، وأحياء حرفية، ومناطق صناعية، ومركبات ترفيهية ورياضية وسياحية.

ويمكن أيضًا تحويل بعض المرافق المهجورة أو قليلة الاستعمال، كالأسواق مثلًا، إلى مركبات مندمجة للسكن والمهن الحرة والتجارة والتكوين المهني، مما يساهم في تنشيط الأحياء المعنية، وخلق فرص الشغل، وتحسين جودة الحياة فيها.

وفي مقال لاحق قد أتناول التعمير القروي، الذي يحتاج إلى نظام خاص لترشيد التوسع العمراني، وتطوير المراكز القروية، وتأطير التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتثمين الثروات الطبيعية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button