أخبارالرئيسيةفي الصميم

عندما ساهم الرئيس الجزائري في انهيار الحركة الانفصالية في العراق

دعنا نأخذ بمنطوق ومفهوم رسالة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى جلالة الملك منذ بضعة أيام ، وبتصريحات وزير خارجيته صبري بوقادوم في موسكو منذ فترة وجيزة ، دعنا نفترض أن قادة الجزائر يرغبون فعلا في إنهاء الصراع المرير الذي أنهكنا جميعا مغاربة وجزائريين ، فماذا علينا في هذه الحالة أن نفعل ؟ لقد دفعتني محاولة الجواب على هذا السؤال طرح فكرة تقديم هذا العرض ، لعل من يعنيهم الأمر يستخلصون منه العبرة .

أمامي الآن ما سجلته عن شريط قصير بثته الفايسبوك ضمن أشرطة تبثها – على ما يبدولي – أجهزة مخابراتية جزائرية تحت عنوان ” زمن بومدين ” ، وكأن هذا الزمن لم ينته منذ وافتةالمنية صاحبه أو صانعه في الشهر الأخير من سنة ثمان وسبعين وتسعمائة وألف . يعرض الشريط روبورتاجا عن مؤتمر قمة عقدته منظمة الدول المصدرة للبترول بالجزائرفي يوليوز١٩٧٥.ولما كان للجزائر حينئذ من نفوذ ، فقد حرص أكبر عدد من قادة الدول الأعضاء على حضور هذا المؤتمر الذي اختتم بحادث هام ، أبى الرئيس بومدين الا أن يزفه للمؤتمرين وهو منتشيا بما حققه . ومن على منبرالمؤتمر اعلن عن تلك المصالحة ودعا صدام حسين وشاه إيران للالتحاق به الى المنصة ليتعانقا وينضم الى عناقهما في جو من الانشراح والنشوة .

بقلم: عبد السلام الوسرغيني

فما الذي يمكن أن نستخلصه مما حدث نتيجة مصالحة العراق مع إيران في تلك الفترة بالذات ؟
لقد كانت تلك المصالحة في الواقع إيذانا بانهاء إحدى أهم حركة انفصالية شهدها الشرق الأوسط في القرن الماضي ، وأقول إنهاء بدل إنتهاء لأن نهايتها. كانت بإرادة طرفي المصالحة ، وبإيعاز من صاحب المبادرة الرئيس بومدين
كانت في الواقع حركة خاض بواسطتها الشعب الكردي ثورة مسلحة طيلة عقود محاولا تحقيق حلم تكوين نواة دولة كردية تضم شتات جميع الأكراد .

لم يكن الأكراد ينطلقون من خارج أراضيهم ، كما لم يكونوا يملأون الدنيا زعيقاً محاولين كما يفعل الانفصاليون الصحراويون بالاعتماد على الجزائر فرض قضيتهم على المجتمع ألدولي . فالأكراد يكونون شعبا متميزا بقوميته ولغته، ولكنهم موزعين أساسا على العراق وإيران وتركيا . بيد أن العراق التي تضم حوالي خمسة ملايين مواطن من أصل كردي كانت أكثر تعرضا لتمرد أكرادها الذين كانوا يتلقون الأسلحة أساسا من إيران المدفوعة بما بينها وبين العراق من عداء مستحكم ، ومن إسرائيل الساعية إلى إنهاك العراق ومن تم العالم العربي .

ونصل هنا الى نتيجة أن ما فعلته ايران هو ما تفعله الجزائر حاليا مع أن المغرب لا يضمر أي عداء للجزائر ، وأن ما يطلبه هو أحترام وحدته الترابية ، وأن ليس له نزاع معها . ومع ذلك تصر. الجزائر على خلق شعب من العدم وعلى حساب المغرب ، وكأنه البلد الوحيد الذي يجب أن لا تكون له صحراؤه وسكان صحراويون . وعلى عكس ذلك فان الأكراد شكلوا شعبا متميزا ، ولكنهم ظلوا يعتبرون جزء من المواطنين العراقيين وعبر فترة طويلة من التاريخ المعاصر ، واعتبرت أرضهم جزء من التراب العراقي لا يمكن التخلي عنه ولا أن تستغني العراق عن الموارد البترولية التي تدرها منابع النفط في كردستان العراق .

وبمقتضى المصالحة العراقية الإيرانية ، كان من الشروط غير المعلنة ومن قبيل التراضي أن تقوم أيران بتجريد الأكراد من الأسلحة وأن تحرم ثوارهم من المأوى . وقد أوفت إيران بتعهداتها ، فكان ذلك بمثابة انهيارحركة انفصالية ليس لها من مآل سوى الانهيار كمثيلاتها في مختلف أنحاء العالم . ولقد شهدت اسبانيا ومعها فرنسا في القرن الماضي انهيار محاولات سكان منطقة الباسك ، وأخيرا فشل الكطلانيون الإسبان في الانفصال بمنطقتهم الغنية . وسبق لقارتنا الافريقية أن عرفت انهيار محاولات انفصالية في كطانغا بالكونغو البلجيكي السابق غداة استقلاله ، وفي بيافرا في نيجيريا وفي كزمانس بالسنغال ،ولن ينجح الانفصال في الكامرون حيث يتصارع الفرنكفونيون مع الانجلوفونيين مهددين البلاد بالانقسام .ولن تنجح أبدا محالات فلول الانفصاليين عندنا مهما تبذله الجزائر من جهود ومهما تبذره من أموال .

والواقع أن حكاية المغرب مع الجزائر لم تعد سرا يستطيع قادة الجزائر ان يخفوا معه أهدافهم . وبانكشاف اللعبة وانقلاب السحر على الساحر تراجعت بشكل ملحوظ الاعترافات بالكيان الصحراوي الوهمي ، وفي أفريقيا على الخصوص ، بحيث لم يعد من المستبعد أن يتم إلغاء عضوية ذلك الكيان في الإتحاد الافريقي ، أو على الأقل تجميد عضويته .

فماذا يمكن للمسؤولين الجزائريين أن يفعلوه الآن غير ما فعله الإيرانيون وبإيعاز من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عندما نجح في وساطة المصالحة العراقية الإيرانية ؟ وفي اعتقادي أن الظروف الحالية مؤاتية ، بل وتفرض عليهم إنهاء الصراع مع المغرب ، وأن يمهدوا لتسوية نزاع الصحراء ، وهم يملكون بكل تأكيد مفاتيح التسوية . فهل هم فاعلون ؟ ومتى يحدث ذلك ؟

الدار البيضاء في 5 غشت 2020

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button