
في خطوة تطرح أكثر من علامة استفهام، أطلق حزب يترأس الحكومة المغربية حملته الانتخابية بشكل علني ومبكر، متجاوزًا بذلك التقاليد الديمقراطية، وأساسيات التوازن المؤسساتي، بل ومقتضيات النصوص القانونية المؤطرة للانتخابات.
إنها معادلة غير صائبة، بل أقرب إلى الخلل السياسي والخرق القانوني، إذ لا يُعقل أن تستوي في الكفة الواحدة صفة تدبير الشأن العام بوسائل الدولة، وصفة التنافس الانتخابي بوسائل الحزب.

الحياد المفترض للحكومة في العملية الانتخابية
إن القاعدة الدستورية، وما استقر عليه الفقه الدستوري المقارن، تفترض حياد الحكومة خلال كل العمليات المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية. وهذا الحياد لا يقتصر على الإدارة الترابية ممثلة في وزارة الداخلية، بل يمتد ليشمل كافة المؤسسات والقطاعات الحكومية.
وحين يُطلق الحزب الذي يقود الحكومة حملته الانتخابية – فيما لا تزال الحكومة قائمة وتمارس مهامها – فإننا نكون أمام حالة تداخل خطيرة بين سلطة الدولة وسلطة الحزب، وهو تداخل ينسف مبدأ تكافؤ الفرص ويضرب في الصميم الثقة في المسلسل الديمقراطي.
وزارة الداخلية في قلب الإشكال
وزارة الداخلية تجد نفسها اليوم في مواجهة هذا الوضع الملغوم. فهي من جهة مسؤولة عن ضمان حياد الإدارة، وتأمين نزاهة العملية الانتخابية، ومن جهة أخرى، تُحاط بحزب يقود الحكومة ويتصرف، في الآن ذاته، كآلة انتخابية مبكرة تستغل ما أمكن من وسائل التأطير والتموقع والترويج السياسي.
وهنا، تطرح أسئلة جدية: هل ستبادر وزارة الداخلية إلى توجيه إنذار قانوني للحزب الحاكم قصد وقف هذه الحملة المخالفة؟
هل ستضمن تكافؤ الفرص بين جميع المتنافسين، خاصة من هم خارج دائرة السلطة؟
هل ما زالت للدولة القدرة على الفصل بين المجال الحزبي والمجال العام، بين السلطة والسلطان؟
خرق لمقتضيات المرسوم المنظم للحملات الانتخابية
تُحدد النصوص التنظيمية بوضوح الإطار الزمني والمادي للحملة الانتخابية، سواء في الانتخابات العامة أو الجزئية أو المهنية. وأي خرق لهذا الإطار يُعد مخالفة انتخابية تستوجب الجزاء.
وإذ نرى الحزب الحاكم يشرع في حملته بأساليب مباشرة أو مواربة، فإننا أمام تسيّب انتخابي لا ينبغي السكوت عنه.
خلاصة: سلطة الدولة فوق سلطة الحزب
ما يحدث اليوم هو اختبار حقيقي لحياد الدولة ولمدى صلابتها أمام نزوعات التمكين السياسي والتوظيف الانتخابي للمؤسسات. وواجب الأحزاب الديمقراطية، والهيئات المدنية، والهيئات الدستورية، أن تُعلّي صوتها دفاعًا عن جوهر العملية الانتخابية وكرامة الديمقراطية.
إن سلطة الدولة لا يجب أن تكون أداة بيد الحزب، بل إطارًا جامعًا بين الجميع، ضامنًا للعدالة الانتخابية، وحاميًا لمبادئ الدستور.



