
يتوجه الناخبون في إنجلترا، غدًا الخميس، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية، التي تعتبر اختبارًا حاسمًا لحزبي العمال والمحافظين، اللذين هيمنًا على المشهد السياسي البريطاني لعقود.
وتثير هذه الانتخابات، التي تشمل 23 مجلسًا محليًا وست بلديات في إنجلترا، تساؤلات حول الطرف الذي سيحقق الفوز، في ظل مؤشرات قوية على احتمال خروج النتائج عن ثنائية العماليين والمحافظين للمرة الأولى. فقد دخل حزب “إصلاح المملكة المتحدة” (Reform UK) بقوة إلى الساحة السياسية، مما أحدث اضطرابًا في النظام التقليدي.
وتتجه أنظار البريطانيين، بل والرأي العام الدولي، إلى هذا الحزب اليميني المتطرف الذي يقوده السياسي المثير للجدل نايجل فاراج، والذي يحقق تقدمًا ملحوظًا في استطلاعات الرأي. فقد أظهرت دراسة حديثة تصدر حزب الإصلاح لنوايا التصويت، متقدمًا حتى على حزب العمال الحاكم.
وبخطاب يوصف غالبًا بالشعبوي ويستثمر المشاعر القومية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة وتدهور الخدمات العامة، لم يعد الحزب يخفي طموحه النهائي: الفوز بمقاعد في قصر ويستمنستر، مقر البرلمان البريطاني، خلال الانتخابات التشريعية المقررة في عام 2029.
ويرى المحللون أن فاراج يسعى إلى جعل اقتراع الخميس بمثابة “تدريب تمهيدي” للاستحقاقات الوطنية المقبلة. وقد صرح فاراج خلال لقاء مع قيادة حزبه: “الطريق إلى ويستمنستر يمر عبر المجالس المحلية”، مشيرًا إلى أن حزبه دفع بأكبر عدد من المرشحين مقارنة بالانتخابات السابقة.
ويحظى الحزب بدعم قوي، خاصة في شمال وشرق إنجلترا، معاقل اليمين التقليدي.
ويتوقع المراقبون أن يكون حزب المحافظين، الذي يمثل المعارضة الرئيسية في البرلمان الحالي، “الخاسر الأكبر” أمام صعود حزب الإصلاح، مع تقديرات تشير إلى احتمال خسارته ما يصل إلى 500 مقعد.
وكان حزب المحافظين قد تلقى هزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية لعام 2024، التي اكتسحها حزب العمال. وقد يجد نفسه مضطرًا إلى التفكير في تحالفات مع حزب الإصلاح ضمن المجالس المحلية المقبلة، على الرغم من أن زعيمة المحافظين، كيمي بادينوك، تواصل استبعاد أي اتفاق مع حزب فاراج داخل البرلمان.
من جانبه، يواصل حزب العمال الاعتماد على برنامجه الإصلاحي لجذب الناخبين، على الرغم من تراجع أدائه منذ عودته إلى الحكم الصيف الماضي، بعد 14 عامًا قضاها في المعارضة.
وخلال تجمع انتخابي حديث، أكد رئيس الوزراء العمالي، كير ستارمر، أن المنتخبين المحليين لحزبه “يعملون جنبًا إلى جنب مع الحكومة” لتنفيذ خطة التغيير على المستوى المحلي.
وإدراكًا للصعوبات التي يواجهها المواطنون البريطانيون، خاصة ارتفاع تكلفة المعيشة، أكد ستارمر أن حكومته تعمل على “تغيير الوضع”، مستعرضًا بعض الإجراءات المتخذة، مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتقليل قوائم الانتظار في المستشفيات، وخفض الضرائب على الوقود.
وقال ستارمر: “كانت الانتخابات العامة العام الماضي فرصة للتصويت من أجل التغيير على المستوى الوطني، وهذه السنة تتيح الانتخابات المحلية فرصة للتصويت من أجل التغيير في مجتمعاتكم”.
بالتوازي مع التهديد الذي يمثله حزب الإصلاح للمحافظين، تشير التحليلات إلى أن أحزاب الوسط، وعلى رأسها الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب الخضر، قد تحقق تقدمًا على حساب حزب العمال.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي المخضرم، جون كيرتيس، أن انتخابات الخميس قد تشكل “تحولًا جذريًا غير مسبوق” في المشهد السياسي البريطاني منذ قرن.
وأضاف كيرتيس أن الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين لم يعد المحدد الأساسي للسياسة البريطانية، معتبرًا أن القضايا الثقافية أصبحت عاملاً حاسمًا في تشكيل الخيارات السياسية.
واعتبر أن جميع الظروف مهيأة لما وصفه بـ”أكبر مراجعة سياسية تشهدها بريطانيا منذ عشرينيات القرن الماضي”.



