تغييرات مثيرة بوزارة النقل: إعادة هيكلة أم تصفية مراكز النفوذ

أثارت سلسلة الإعفاءات الأخيرة التي أقدم عليها وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح،نقاشا واسعا داخل الأوساط الإدارية والسياسية،بعد أن شملت الكاتب العام للوزارة خالد الشرقاوي،إلى جانب مسؤولين بارزين في قطاع الطيران المدني من بينهم المدير العام للطيران المدني ورئيس قسم تنظيم النقل الجوي.
ورغم أن هذه التغييرات تدرج رسميا في إطار “إعادة الهيكلة الإدارية” للوزارة،إلا أن المتابعين للشأن الحكومي يقرأونها من زوايا متعددة تتقاطع فيها الحسابات السياسية مع رهانات الإصلاح الإداري.
https://youtu.be/jKkPwwd3WWE?feature=shared
– تفكيك إرث الوزراء السابقين
يعتبر الكاتب العام المعفى،خالد الشرقاوي من أقدم الكوادر الإدارية في قطاع النقل حيث حافظ على منصبه طيلة فترات ولايات متعاقبة ما منحه نفوذا واسعا داخل الوزارة. غير أن بقاءه على رأس الإدارة رغم تغير الوزراء،شكل دوما معادلة حساسة بين “الاستمرارية البيروقراطية” و”المساءلة السياسية”.
قرار الإعفاء بحسب بعض المحللين قد يحمل في طياته رغبة الوزير الحالي في فك الارتباط مع إرث من سبقوه خصوصا وأن اسم الشرقاوي كان مرتبطا بعدد من الملفات العالقة كضعف الحكامة في تدبير مشاريع البنية التحتية والتباطؤ في إصلاح منظومة الطيران المدني.
– إشكالية الولاءات داخل الإدارة
تبرز هذه التغييرات أيضا الإشكالية العميقة المرتبطة بالولاءات داخل الإدارة العمومية.فالتعيينات في المناصب العليا كثيرا ما تتم بناء على انتماءات حزبية أو شبكات مصالح داخلية،مما يجعل الإعفاءات بدورها تقرأ كامتداد لصراعات مراكز النفوذ لا كمجرد تدبير إداري.
ويشير بعض المتابعين إلى أن تعيين المفتش العام للوزارة كاتبا عاما بالنيابة يعكس عودة جناح محسوب على وزير سابق إلى الواجهة وهو ما يفهم منه أن الإعفاء لم يكن بهدف تجديد الدماء،بقدر ما كان جزءا من إعادة توزيع التوازنات داخل الإدارة المركزية.
– منطق الإصلاح أم منطق التصفية؟
السؤال الجوهري الذي يطرحه هذا الوضع هو: هل نحن أمام منطق إصلاحي يهدف إلى تجويد الأداء الإداري وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة،أم أن ما يحدث لا يعدو أن يكون إعادة تدوير لنفس النخب وتصفية لحسابات داخلية؟
الجواب يبقى معلقا في غياب رؤية استراتيجية واضحة للوزارة بشأن الهيكلة وغياب مؤشرات شفافة حول تقييم أداء المسؤولين المعفيين .كما أن عدم صدور أي توضيح رسمي أو بلاغ حكومي مفصل بشأن هذه القرارات يزيد من ضبابية الوضع.
– الحاجة إلى إصلاح مؤسسي شفاف
ما حدث في وزارة النقل يعكس حالة أوسع تعيشها الإدارة المغربية،حيث ما زالت معايير التعيين والإعفاء في المناصب العليا تخضع في كثير من الأحيان للاعتبارات السياسية والشخصية،بدل منطق الكفاءة والأداء.وإذا استمرت هذه الممارسات دون مساءلة أو تدقيق،فإن الثقة في مسار الإصلاح ستتآكل وسيتحول الحديث عن “النجاعة الإدارية” إلى مجرد شعار فارغ من مضمونه.
يبقى الإصلاح الحقيقي رهينا بوجود إرادة سياسية قوية،ترتكز على الشفافية وتكافؤ الفرص،لا على توازنات الظل داخل الوزارات.



