أخبارالرئيسيةتقارير وملفات

الجماني شيخ الركيبات ورمز المقاومة..يوم بايع الحسن الثاني

ولد خطري ولد سيدي سعيد الجماني سنة 1915 في منطقة لخصاص على مشارف الصحراء بين بويزكارن وتيزنيت،وسط أسرة تعيش حياة الترحال والرعي.ينحدر من قبيلة الركيبات إحدى كبريات القبائل الصحراوية وقد تربى في بيئة محافظة،درس القرآن والفقه وتشرب قيم التصوف والورع.

فقد والده مبكرا لكنه تحمل مسؤولية العائلة والقبيلة،حيث بويع شيخا وهو في ريعان الشباب في وقت كان منصب المشيخة لا يمنح إلا لكبار السن.لم يلج المدارس النظامية،لكنه كان متمكنا من العلوم الدينية،حافظا للقرآن،وذا مكانة روحية واجتماعية بارزة.

المصاهرة كآلية للسلم الاجتماعي

بصفته شيخا لقبيلته،سعى خطري إلى توطيد السلم الأهلي عبر مصاهرات قبلية،فتزوج من نساء ينتمين إلى قبائل مختلفة لتقليص حدة الخلافات.وقد أنجب 26 ابنا وبنتا وحرص على أن يعيشوا جميعا في “الدار الكبيرة”حتى تبقى الأسرة متماسكة.كان يعامل أبناءه دون تمييز ويبقي على روابط ودية مع مطلقاته في تجسيد لروح التعايش والتماسك الأسري داخل المجتمع الصحراوي.

من مقاومة الاستعمار إلى بيعة الملك الحسن الثاني

لم يقتصر دور الجماني على المشيخة، بل كان فاعلا سياسيا بارزا في خمسينيات القرن الماضي. فقد شارك إلى جانب صحراويين آخرين في تأسيس جيش التحرير سنة 1957 بعد لقاء قيادات الحركة الوطنية في كلميم. يوثق الكاتب محمد باهي في كتابه عن خطري وصفا له بـ”الأسد الجريح الذي أنقذ الصحراء مرتين”.

وقد بلغ تأثيره ذروته حين استقبله الملك الراحل الحسن الثاني في احتفال رسمي حضره أكثر من 500 شخصية دولية،حيث بايع الملك وقدم الولاء للوطن.في تلك المناسبة،قال له الحسن الثاني عبارته الشهيرة: «لم يسبق لي أن استقبلت مغربيا كما استقبلتك» ومنحه سلهامه في إشارة إلى تقدير رمزي استثنائي.

من حياة البادية إلى الرباط


بعد المسيرة الخضراء سنة 1975،قرر خطري الاستقرار في الرباط،منهيا حياة الترحال. ظل مرتبطا بأبناء قبيلته ومتابعا لقضايا الصحراء،لكنه في الوقت نفسه حظي بتقدير الدولة وامتيازاتها اعترافا بدوره في مرحلة حساسة من تاريخ المغرب.

عاشت عائلة الجماني في العاصمة، لكنها لم تقطع جذورها مع الصحراء. فقد واصل أبناؤه وبناته مسارهم في مجالات متنوعة: من الطب إلى الهندسة والسياسة. من بينهم محمد الجماني المتخصص في طب الأسنان وإبراهيم الجماني الذي ترأس مقاطعة اليوسفية،إضافة إلى غيثة وسارة ومصطفى وغيرهم من أفراد الأسرة الذين تفرعوا في مسارات مختلفة،لكن ظل رابط الدم والانتماء القبلي قائما.

رمز للاستمرارية والتماسك

عائلة خطري ولد سيدي سعيد الجماني اليوم تمثل نموذجا للاستمرارية بين الماضي والحاضر، فهي جزء من شجرة الركيبات التي شكلت ركنا أساسيا في النسيج الاجتماعي الصحراوي. كما أصبحت رمزا للتماسك العائلي والتأقلم مع تحولات الزمن، من حياة الترحال إلى الاستقرار في العاصمة ومن الزعامة التقليدية إلى الحضور في مؤسسات الدولة.

قصة عائلة الجماني ليست مجرد حكاية شيخ قبيلة صحراوية،بل مرآة تعكس التحولات الكبرى التي عاشتها الصحراء المغربية من حياة البداوة إلى التمدن ومن المقاومة إلى الاندماج في الدولة الحديثة. وبقدر ما تمثل سيرة خطري ولد سيدي سعيد الجماني رمزا للتدين والزعامة،فإن إرثه العائلي يظل شاهدا على قدرة الأسرة الصحراوية على الحفاظ على تماسكها رغم تعدد الفروع وتغير الأزمنة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button