Hot eventsأخبارأخبار سريعةثقافة و فنعين العقل

سبحان مبدّل الأحوال… حين يسقط الطغاة من عليائهم

بقلم الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي

نفتتح هذا المقال بقوله تعالى
“وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”
(سورة آل عمران، الآية 140)

في زمنٍ تتقلب فيه الموازين، وتُفصح الوقائع عن دروس عميقة لا تُكتب بالحبر، بل تُسطر بالدموع والندم، يبرز سؤال لا يغيب عن ذهن المتأمل في أحوال الخلق: لماذا يسقط من ظن نفسه فوق الناس؟ ولماذا تتهاوى العروش حين يعمَى البصر والبصيرة؟
هذا المقال يرصد بعيون من خبر الحياة، وبقلب من عاش بين الناس، تلك اللحظات الفارقة التي تنقلب فيها الموازين، ويظهر عدل الله في أبهى تجلياته.

في دروب الحياة المتعرّجة، كثيرًا ما نصادف مشاهد تُغني عن المواعظ، وتختصر كتب الحكمة في سطر واحد: “سبحان مبدّل الأحوال.”
ترى بعض الناس، وقد ارتقوا في المناصب، وجمعوا حولهم المال والجاه والنفوذ، فيحسبون أن الأرض دانت لهم، وأن الناس خُلقوا لخدمتهم، وأن سطوتهم باقية أبد الدهر.

ينسون – أو يتناسون – أن الأيام دول، وأن الكراسي لا تدوم، وأن من ظن نفسه فوق القانون، سقط به غروره إلى أسفل الدركات. تراهم يتعالون على البسطاء، يضيقون الخناق على أرزاقهم، ويظنون أن الحصون التي بنوها من الحراس والسلطة والعلاقات، لا يمكن اختراقها. يُغلقون آذانهم عن أنين الناس، ويعمون أبصارهم عن معاناة الضعفاء، ويظنون أن حكمهم لا يُراجع، وأن قراراتهم لا تُناقش.

لكن مهلاً… فإن للكون ربًّا لا ينام، عدله لا يُؤجل، وحكمته نافذة. وما ظلم عبدٌ عبدًا، إلا كان لنفسه خصيمًا. فترى من طغى كيف تُنزع عنه الهيبة، وتنكسر عنجهيته، ويتقوّض مقامه من حيث لم يحتسب. وكم من وزيرٍ ساد ثم باد، وكم من والٍ ورئيس رفعته الأقدار ليُجربه الله، فلما ظلم، نُزع عنه السّتر، وتبدّلت سطوته إلى عار، ومجده إلى خزيٍ يُروى في المجالس والعبر.

كم من حاكمٍ هتف الناس باسمه دهورًا، ثم خلعوه في لحظة، بل كم من نافذٍ كان يخيف المدن بنظرة، فإذا به على سرير المرض العقلي، أو خلف القضبان، يصرخ من مرارة الذكرى، وحسرة السقوط.

لقد علّمنا التاريخ – والتاريخ لا يكذب – أن من أعرض عن العدل، فإن الظلم يرتد عليه كأفعى أطلقها على غيره. لا يحيق المكر السيّء إلا بأهله. ولا يحسبنّ أحد أن الأيام لا تنقلب، بل هي كعجلة طاحونة لا تتوقف، ولا تعرف الولاء لأحد.

ومن حكمة الله، أن يجعل في كل طاغيةٍ عبرة، وفي كل سُقوطٍ رسالة، وفي كل ندمٍ متأخر صوتًا يهمس في آذان من لا يزالون في أوهام السلطة: ارحموا الناس… قبل أن تُرحموا في مذلّتكم.

فيا من بيدك قرار، لا تغترّ بما تملك، فالعروش من ورق، والكراسي لا تدوم، وإنما يدوم العدل، وتدوم الرحمة، وتبقى سمعة الإنسان، إن هو صانها بالحق والكرامة والخلق.

وهكذا، تبقى الأيام حبلى بالعبر، تنقلب فيها الموازين دون إنذار، ويسقط فيها من توهّم الخلود في عليائه. فالسلطة زائلة، والمال فانٍ، ولا يبقى للإنسان إلا عدله وأثره الطيب بين الناس. فليتعظ من يرى ويسمع، قبل أن تداهمه سنّة التبديل، ودوامة التحوّل التي لا ترحم من طغى وتجبّر.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button