Hot eventsأخبارأخبار سريعةفي الصميم

إلى الزميل المهداوي.. دعوتي إليك أن تخلع عنك لباس المظلومية وتقتحم باقتدار مجال الصحافة الاحترافية الحقيقية

باريس ـ أحمد الميداوي

أخشى أن ينهض بعض صُناع القطيع بلغة السلطة الرابعة، ومعهم أسباه الإعلامين، وقد تجاوزوا حدا لا يطاق من الإساءات للوطن وللمواطنين، تحت عمى التمويلات والعلاوات المختلفة التي تُصرف لهم بانتظام. أخشى أن ينهض هؤلاء حال اطلاعهم على فحوى الرسالة التي أبعث بها للزميل حميد المهداوي، فيُمطرونني بأرذل الصفات، وأحقر النعوت بعد أن يُمشتقوا سلاح المواطنة، ويسكُبوا بعض المفردات الببّغاوية، لتشكل شحنة معبرة عما يعتمل في نفوسهم من كلام ناقم على كل من ليس مثلهم ممن يُغلف الأحداث بسياج من المغالطات، بغاية خلط الأوراق وشحن المواطنين على بعضهم البعض. رسالتي مهما حاولوا التغول تحت لازمتهم الببغاوية التي لا تخرج عن “الدولة العميقة” و”المخزن الإداري والسياسي والاقتصادي”… وهلم جرّا من نعوت توضع في سياق “إما معي أو مخزني عميق”.

رسالتي إليك الأخ المهداوي من زميل ممارس منذ نحو 40 سنة، ودرّس تقنيات التحرير باللغة الفرنسية Les techniques de rédaction بالمعهد العالي للصحافة بالدار البيضاء، حين كان يعمل رئيسا للمكتب الجهوي “لوكالة المغرب العربي للأنباء” بالعاصمة الاقتصادية. رسالتي إليك أبدأها بالسلام، وتفسير سلامي تدمُّر كبير من “الخطأ  الأخلاقي” الذي سقط فيه اجتماع لجنة التأديب وأخلاقيات المهنة، التابعة للمجلس الوطني للصحافة في صيغته المؤقتة. اجتماع بقدر ما يبعث في محتواه على التقزز والاشمئزاز، فهو يثير في نفوس الإعلاميين الأحرار المتشبعين بالصدقية والمسئولية والأمانة، الكثير من الأسى والحسرة عن روح الارتجالية والتخبط  اللذان ميزا ذلك اللقاء.

وإنني إذ أرفض كباقي الزملاء، وبأشد العبارات، مثل هكذا سلوك مشين من لدن بعض أعضاء اللجنة، داعيا وبإلحاح إلى التعجيل بإيجاد وعاء قانوني يسمح بصياغة أفق جديد للمجلس الوطني للصحافة، يكون ضامنا لاستقلالية المهنة، وراعيا لحقوق الجسم الصحفي بكامله، أدعوك زميلي في نفس الوقت وبكل صدق ومصارحة، أنا الذي اشتغلت بعد رحيلي إلى باريس سنة 2000 في الإعلام السمعي البصري كمُعد للبرنامج الأسبوعي”الحصاد المغاربي” بإذاعة شمس” الباريسية Radio Soleil وكمشارك في سيل من الحلقات الإعلامية، ضمن برنامج “وجه وحدث” بقناة فرانس 24، وبعدد من المؤسسات العمومية منها والمستقلة وحتى الحزبية، مثل “المساء”، ثم “أخبار اليوم”، و”العلم”، فموقع “برلمان.كوم” بقسميه العربي والفرنسي، وأسبوعية “ماروك إيبدو” التي أتعاون معها من باريس منذ 18 سنة. أدعوك إلى فهم وتفهم أسباب موجات التذمر السائدة في بعض الأوساط المغربية، من مثقفين مستائين، وإعلاميين نزهاء يؤمنون بحرية التعبير في سياقها الشمولي القائم على المساءلة والنقد، دون تهجمات صارت السمة الغالبة، للأسف، في بعض برامجك وتدخلاتك التي تجاوزت حدا لا يطاق من الإساءات للبعض على حساب البعض الآخر. 

أدعوك زميلي وبكثير من الصدق أيضا، التخلي عما أعتبره ومعي الكثير من محترفي الصحافة، إعلاما استرزاقيا تضليليا، يعتمد أصحابه وصفات مختلفة للوصول إلى مبتغاهم، تبدأ بالتدليس ثم التلفيق، قبل أن يتوجوها بالتجريم والاتهامات الباطلة، في غياب هيئة دفاع موحدة ومتماسكة، من قبل الصحافة الحرة التي تفرض عليها الأوضاع الإعلامية المتردية، القيام بحملات جريئة واسعة ضمن خندق دفاعي واحد، للتصدي لهؤلاء وتعريتهم.

هل تعلم زميلي أن الكثير ممن يتابعون برامجك، يتلمسون فيك دور الحلايقي الذي لم يكن فقط في الزمن الأول من الاستقلال، أبلغ من الصحفي في نقل الأحداث ومعالجتها، بل كان أكبر خبير في التسويق الإعلامي في مدينته وبلدته، بعد أن يجنح إلى تغذية نفس المتلقي، وإمدادها بمواعين المعرفة والاطلاع في جوّ من الفكاهة والتسلية. لكن الفرق بين الحلايقي الحقيقي، والحلايقي المتصنَّع، هو أن الأول كان يبني عوالمنا التخيلية، بشكل ممتع ومتحرر من قيود التضليل والكذب، فيما الثاني، أي الصحفي الحلايقي، يستهويه توظيف الخبث السخيف بناء على قناعة سخيفة هي الأخرى، بأن المغاربة بحاجة دائمة إلى أقراص “مُضلِّلة” لتنشيط جانبهم المخيالي والعاطفي.

 الصحفيون الحلايقية، زميلي المهداوي، وما أكثرهم اليوم في زمن التفاهة الإعلامية، ممن يحاولون توظيف قنواتهم أو مواقعهم، لاكتساب موثوقية عالية من متابعيهم، تؤهلهم إلى لعب أدوار تضليلية وتأثيرية على الرأي العام، باتجاه صناعة “قطيع إعلامي” يسهل تعبئته للمظاهرات بالشارع، وتحفيزه على التمرد على كل ما هو مشرق في مسيرة المغرب الديمقراطية والتنموية أيضا. هؤلاء، والبعض يضعك للأسف في خانتهم، يتخذون من الربح السريع المُتعشّش في بنيانهم، والقائم على لازمة “بارطاجيو ألخوت”، الغاية الأسمى لهم، حتى وإن كان المحتوى لا يتوافق مع مبادئ وأخلاقيات المهنة.

ومن هنا يتوجب علي تنبيهك زميلي، أنا الذي لا أجد سوى التحسر للتعبير على الانحطاط الإعلامي، والانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه الصحافة الوطنية، إلى أن بيع الوهم والتشعوذ، أصبح تجارة مربحة وبضاعة مطلوبة تعرضها على مدار الساعة بلا خجل، رمزة من المتسولين المتصعلكين قارئي الحظ المتعثر، ممن تنطبق عليهم صفة “أشباه الإعلاميين” الذين يتغذون على قلة الوعي أو اختلاله لدى فئات عريضة من المواطنين.

لقد نجحتَ ربما، في التأسيس لسردية إعلامية متماسكة، الغاية منها نزع الهيبة من المؤسسة الملكية، والإسهام في زعزعة الاستقرار، من خلال تضخيم سردية المخزن وتسويقها للخصوم. واتجهت في الآونة الأخيرة نحو ترديد وتضخيم لازمة المظلومية التي تعرضت لها، ومحاولة استغلال قدر الإمكان الفيديو المُسرب عن وقائع اجتماع اللجنة التأديبية، بل توظيفه أحسن توظيف، ليكون له مفعول أضخم في التجمعات والتظاهرات المنظمة، بغاية فضح التظلمات التي تتعرض لها، علة حد زعمك، من طرف السلطة القضائية، ضمن صياغة روايات تُكسبك استجابة شعبية “للزعيم” حميد المهداوي الذي يخوض مواجهة ساخنة مع المخزن.

معظم من يتابعون خرجاتك الإعلامية وما أكثرها، يرون فيها هبّة انفرادية انقلابية، بما يسهم في تزوير الوعي وتسهيل عملية استقطاب محكم يفضي إلى صناعة قطيع بشري واسع، سريع الامتثال والخنوع، وضامن الكسب السريع من خلال اللايكات المتكاثرة، ولازمة “بارطاجيو الخوت”.

أريدك زميلي أن تخلع عنك لباس المظلومية وأن تقتحم باقتدار مجال الصحافة الاحترافية الحرة، تنقل الحقيقة بصدق وموضوعية، وتعبر عن الرأي بفهم وأمانة. أريدك أن توجه بوصلتك الإعلامية نحو تقوية ركائز المواطنة الصادقة، ضمن رؤية نقدية تحليلية متحررة، خالية من كل مداراة أو تودُّد، ومن كل تهجم أو تحامل أيضا.

أريدك في النهاية أن تكون على قلب واحد في القضايا الوطنية الكبرى، تعتمد على الوعي الجماهيري اليقظ، كذرع أساسي في مواجهة التضليل وزرع الشكوك، علما أن معظم برامجك، زميلي، التي لا يخرج ضجيجها اليوم عن نقيع الغربان، تحولت إلى عناوين “للريع”، تستهدف في المقام الأول، مكونات المجتمع المغربي، تكريسا لما يمكن تسميته ب”الدكتاتورية الإعلامية”.

وتقبل زميلي أجمل مشاعر المودة والتقدير.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button