Hot eventsأخبارأخبار سريعةعين الحدث الافريقي

المغرب بين يقظة المؤسسات وتحديات المجتمع

من القضايا الفردية التي تثير جدلاً واسعاً، إلى التحولات البنيوية في مؤسسات الدولة، مروراً بتجاذبات المشهد الحقوقي والمهني، ثم الحراك الاقتصادي والاجتماعي، تبدو الساحة المغربية هذه الأيام وكأنها لوحة متعددة الألوان، يجتمع فيها الصخب مع الطموح، والتحديات مع فرص النهوض.

حادثة نشر صورة مسيئة للذات الإلهية على مواقع التواصل الاجتماعي، وما تبعها من تحرك عاجل للنيابة العامة، ليست مجرد واقعة معزولة، بل تكشف عن عمق الصراع الدائر بين حرية التعبير وضوابط القانون، وعن حدود الخط الفاصل بين النقد المشروع والاعتداء على الثوابت الجامعة. في المقابل، تعكس هذه الحادثة يقظة المؤسسات القضائية وسرعة استجابتها في سياق مجتمع يتفاعل آنياً مع الأحداث عبر الفضاء الرقمي.

وفي وجدة، كان اليوم الوطني للمهاجر مناسبة لتذكيرنا بأن نصف قوة المغرب الناعمة يعيش وراء الحدود. اختيار شعار “ورش الرقمنة” يترجم وعياً رسمياً بأن العلاقة مع مغاربة العالم لم تعد تقاس فقط بالمناسبات والعواطف، بل بخدمات سريعة وفعّالة تواكب إيقاع حياتهم في المهجر.

التحرك الأمني الواسع في الدار البيضاء، بتعيينات جديدة على رأس مناطق استراتيجية، يأتي في سياق استعداد مبكر لرهانات كبرى، من كأس إفريقيا إلى كأس العالم. هذا الحراك يعكس أن الأمن في المغرب لم يعد يُقاس فقط بمؤشرات الجريمة، بل بمدى جاهزية الأجهزة لاحتضان أحداث عالمية ضمن صورة بلد آمن ومنظم.

لكن خلف هذه الدينامية، تشتعل جبهة أخرى: الصحافيون والنقابات المهنية في مواجهة مشروع قانون يعتبرونه مساساً بروح التنظيم الذاتي للمهنة. هنا، يتقاطع النقاش القانوني مع البعد الرمزي لحرية الصحافة، ومع الصراع الأبدي حول من يملك حق ضبط إيقاع الكلمة.

الجدل حول إصلاح المؤسسات لا يقتصر على الداخل؛ ففي المحيط الإقليمي والدولي، يتصاعد الخطاب المطالب بإصلاح الأمم المتحدة وتقييد هيمنة الكبار، بينما يواصل المغرب لعب أوراقه بثبات في ملف الصحراء، مقابل تشتت خطاب خصومه وانزياحه نحو استهداف الحلفاء الدوليين.

قضائياً، جاء قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية كصفعة إيجابية لسلطة التشريع حين تحيد عن التوازن، ورسالة بأن سيادة الدستور فوق جميع الإرادات.

وعلى أرض الاقتصاد، تحوّل المغرب إلى ورشة مفتوحة للاستثمار السياحي، مدعوماً بأرقام قياسية في عدد الوافدين والعائدات، لكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات اجتماعية حادة، مثل أزمة مربي الماشية الذين يختنقون تحت ضغط الجفاف وغلاء الأعلاف.

بين هذه الملفات، تتضح صورة بلد يتحرك على أكثر من جبهة، ينجح في كسب نقاط هنا ويخسر أخرى هناك، لكنه يواصل السير بخطى ثابتة نحو مستقبل يريد أن يجمع بين الصرامة في القانون، والانفتاح في الاقتصاد، والحيوية في المجتمع.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button