Hot eventsأخبارأخبار سريعةإفريقيا

جنوب إفريقيا أمام ساعة الحقيقة مع انطلاق لجنة التحقيق القضائية حول الفساد في منظومة العدالة الجنائية

جوهانسبورغ – دخلت جنوب إفريقيا، اليوم الأربعاء، مرحلة دقيقة في مسارها السياسي والقضائي، مع انطلاق أشغال لجنة التحقيق القضائية حول الفساد في منظومة العدالة الجنائية، التي أثارت منذ الإعلان عنها جدلاً واسعاً وانقسامات عميقة بين مختلف الأطياف السياسية، وذلك على بعد أشهر قليلة من انتخابات 2026.

وانعقدت أولى جلسات الاستماع وسط إجراءات أمنية مشددة ببريتوريا، حيث تم تحويل كلية للحقوق إلى محكمة مؤقتة، في خطوة اعتبرها مراقبون لحظة فارقة تؤشر على رغبة الدولة في مواجهة آفة الفساد التي تنخر الاقتصاد الوطني. وكما كان متوقعا، استهلت الجلسات بالاستماع إلى إفادة مفوض شرطة كوازولو-ناتال، نهالانلا مخوانازي، الذي أحدث ضجة كبرى في يوليوز الماضي بعد اتهامه مسؤولين حكوميين وأمنيين بارزين بالتورط في شبكات فساد معقدة.

هذه الشهادات العاصفة دفعت الرئيس سيريل رامافوزا إلى إصدار قرار بإحداث لجنة للتحقيق، عُهد برئاستها إلى القاضي المتقاعد بالمحكمة الدستورية، مادلانغا، لتتولى الإشراف على الجوانب المسطرية. وتأتي هذه الخطوة بعد إقالات وتوقيفات طالت وزير الشرطة السابق سينزو مشونو، ونائبه شادراك سيبيا، وعددا من كبار المسؤولين في أجهزة الأمن والاستخبارات، في وقت لا تزال الصحافة المحلية تكشف تباعا عن تفاصيل ما وُصف بشبكة إجرامية تسللت إلى مفاصل الدولة.

وستمتد جلسات الاستماع على مدى ستة أشهر، بميزانية ضخمة تبلغ 147,9 مليون راند (أكثر من 8 ملايين دولار)، ممولة من ميزانيتي 2025 و2026. غير أن هذا التمويل السخي لم يحجب الجدل، إذ اعتبر معارضون أن اللجنة “مسرح سياسي بإخراج قضائي” لن يفضي سوى إلى توصيات غير ملزمة، على غرار ما انتهت إليه لجان سابقة.

وفي هذا السياق، تقدم حزب “أومخونتو ويسيزوي” بملتمس استعجالي للمحكمة العليا بخاوتنغ لوقف أشغال اللجنة بدعوى عدم دستوريتها وتبذيرها للمال العام، فيما رأت المعارضة داخل حزب “أكشن سا” أن اللجوء إلى لجنة جديدة أمر غير منطقي، خاصة أن توصيات لجنة “زوندو” الشهيرة، التي كلفت مليار راند سنة 2018، لا تزال حبيسة الرفوف دون متابعة فعلية.

التجارب السابقة تعزز هذا التشكيك، حيث تحولت لجنة “سيرتي” المتعلقة بقضية الأسلحة سنة 1999 إلى ما يشبه “التبييض القضائي”، بينما ما تزال عائلات ضحايا “مجزرة ماريكانا” سنة 2012 تنتظر إنصافها رغم التوصيات الصادرة آنذاك بملاحقة الجناة.

وفي المقابل، تؤكد منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها “كورابشن واتش”، أن نجاح لجنة مادلانغا رهين بوجود إرادة سياسية صلبة لتفعيل توصياتها وتحويلها إلى إجراءات ملموسة. وحذر الناطق الرسمي للمنظمة، كرم سينغ، من أن سجل لجان التقصي في البلاد يظل ضعيفا من حيث تحميل المسؤولية النهائية ومعاقبة الجناة، داعيا إلى مراقبة دقيقة لأشغال اللجنة.

وبينما تتواصل الجلسات في بريتوريا، يقف الرأي العام الجنوب إفريقي أمام اختبار الثقة في المؤسسات، إذ يرى مراقبون أن لجنة مادلانغا، إذا لم تُفض إلى إصلاحات جذرية وملاحقات قضائية حقيقية، ستظل مجرد حلقة جديدة في مسلسل اللجان غير المثمرة التي تراكمت عبر تاريخ البلاد الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button