في الصميم

الدكتور القليعي يبسط الدلالات الأخلاقية والاجتماعية والنفسية في تأويل قوله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا)

في مثل هذه الأيام المباركة من كل عام من شهري ذي القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة تتوجه الأنظار وتهفو القلوب وتحن إلي بيت الله الحرام.

وتلهج الألسنة بالأدعية أن يكتب الله لنا حج بيته المعظم وأداء فريضة الحج المكرم،والتلبية والطواف والوقوف بعرفات الله، لعل الله تعالي يتعطف علينا بنظرة رضي لانشقي بعدها أبدا. لكن السؤال الذي أطرحه وسأجيب عليه ان شآء الله.

ماهي الدلالات الأخلاقية والإجتماعية والنفسية في تأويل قول الله تعالي (وأذن في الناس بالحج) تعالوا معي لنتناقش في الأمر، وأذن في الناس.

الله تعالي يأمر سيدنا ابراهيم بعد أن انصاع إلي أمر الله وبني البيت الحرام عظمه الله تعالى ، يأمره الله تعالي أن ينادي في الناس أنه تعالي بني بيتا ويأمركم أن تحجوا إليه.

الدكتور القليعي
بقلم: أد. عادل القليعي. (أستاذ الفلسفة الإسلامية) آداب حلوان.

سؤال إبراهيم ، لربه لم يكن سؤالا استنكاريا، وانما سؤال استفهامي، كيف يارب ابلغهم، قال عليك النداء، وعلينا البلاغ.

إذن الدلالة الأخلاقية الأولي:السمع والطاعة، فمنهجنا الإتباع وليس الابتداع، والاتباع يتمثل في قوله تعالي (واتبع ما يوحي إليك من ربك). إتباع عن اقتناع والشاهد (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن ، قال بلي ولكن ليطمئن قلبي)واطمئنان القلب إنما هو هدوء وسكينة للعقل.

الدلالة الأخلاقية الثانية: التخلي بمعني أن يتخلي الإنسان عن كل ما هو موبق، ويترك الدنيا بما فيها علي ما فيها،يترك عمله، وماله، وولده،وزوجه ، ويتجه قلبا وقالبا ، يتجه بكليته إلي الله ، رافعا شعارا إني ذاهب الي ربي سيهدين.

يتخلي عن كل الصفات المذمومة كل الصفات البشرية من شهوة مأكل ومشرب،مطهرا نفسه من ادران الجسد البالي الفاني.

ثم يتحلي بكل صفات الجمال والجلال والبهاء والطهر والصفاء.

لماذا لينال الحظوة والقبول ويتجلي عليه الإله بالعفو والغفران ،ويغتسل بماء الحب، فيعود كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء.

فيتعامل مع بني جلدته بالاخلاق الكريمة، ولم لا وقد غسله الله تعالي بماء الود والوداد.

الدلالة الأخلاقية الثالثة :في حديثه القدسي جل وعلا، يا ملائكتي انظروا إلي عباد أتوني شعثا غبرا من كل حدب وصوب يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهد كم أني قد غفرت لهم.

في هذا المشهد المهيب تتجلي كل صفات التواضع ليس ثم فرق بين غني وفقير،غفير ووزير الكل يرتدي ازارا واحدا ، الكل يسوده الحب،الجميع يرفع يده إلي الكبير المتعال تفيض كل العيون بالدموع، تذوب وتنصهر المناصب، لاعنصرية، لا فروقات طبقية،

الكل يصافح الكل،الجميع يقول في نداء تتزلزل له الجبال والسموات لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، إقرار بالعبودية للواحد الأحد.

الدلالة الأخلاقية الرابعة:التعاون بين الناس، انظروا بعين الإعتبار الي هذا المشهد السيدة العجوز ، الشيخ المسن الهرم يحملهما الشباب علي الأعناق،او يجرون لهم الكراسي المتحركة، أو يخدمونهم في خيام الحجيج، ليس هذا وحسب بل ويوفرون لهم كل ما يحتاجونه.

وإذا لا قدر الله ضلوا الطريق يصلون بهم الي ذويهم وأماكن إقامتهم، أي جمال بعد هذا.

الدلالة الاخلاقية الخامسة:ما الذي حمل هؤلاء وهؤلاء من كافة أرجاء المعمورة وتحملهم مشقة السفر وتحملهم غلو النفقات؟!!

يا سادة إنه الحب لله تعالي، ما اروعها قيمة الحب، الحب لله والحب في الله أليست هذه القيمة روح الفكر الأخلاقي المحبة التي دعي إليها الله تعالي (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)

أليست المحبة طريق لتحقيق السلام بين الشعوب؟!

الإجابة واضحة بذاتها،نعم وكل الأنبياء والمرسلين دعوتهم السلام،وكل المصلحين والمفكرين والباحثين في الأخلاق بغيتهم نشر المحبة بين الناس.

أما الدلالة الإجتماعية وهي جد مهمة،فالانسان مدني بطبعه يحب العيش في جماعة، وينفر من حياة العزلة،ويحب أن يستأنس بالآخر ويحب أن يستأنس به الآخر.

فما بالكم بهذا المشهد الرهيب (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان أكرمكم عند الله اتقاكم)

وفي موسم الحج الكل مع الكل سواء ، الناس أمام الله سواسية،جمعهم الله في صعيد واحد ومكان واحد، ليقول لهم الله تعالي ،ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون.

فالكل يتعارف ويتصافح،الغربي، الشرقي، الافريقي، الآسيوي.

بل ويأخذون عناوين بعضهم البعض ويتواصلون هاتفيا بعد ما يعودون الي أوطانهم.

أليست هذه الرحلة المباركة دعوة للعيش في جماعة،دعوة للأخوة الإنسانية،  دعوة للاخاء، دعوة للمواطنة، الوطن واحد ،والاله واحد.

أما الأبعاد النفسية في تأويل هذه الآية الكريمة. تهذيب النفس وتربيتها وترويضها علي الفضائل واقتنائها،والعمل علي تجنبها الرزائل سواء في الحج أو عند العودة،

ففي الحج منع الله تعالي الجدال فلا جدال في الحج، ولارفث،ولاشهوة ،ولا فسوق ولا سباب ولاشتم في الحج.

أليس ذلك تهذيبا للنفس التي إذا ما هذبت هبت عليها الهبات الصفائية ومنحت اللطائف الربانية وعادت كيوم ولادتها،فمن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

بل وينعكس ذلك علي مجتمعه الذين يعيش فيه فيتعامل مع الناس بصفاء ونقاء،ويكون ربانيا في صفاته وفي خصاله وفي كل شئون حياته.

الي أن يلقي الله تعالى بقلب سليم

ما أجملها من رحلة.

كتبها الله تعالى لكل مشتاق.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button