أخبارالرئيسيةفي الصميم

إسرائيل..شرك الأوهام وحلم الانتصار

عملية “طوفان الأقصى” جاءت لتهدم كل سنوات الدفء الذي شعر به الكيان المحتل. كانت عملية احترافية إلى درجة كبيرة.
هجوم 7 أكتوبر غيّر المعادلات
“في 7 أكتوبر انهار الحلم الإسرائيلي بالشعور بالأمن، وانهار معه مفهوم أن إسرائيل تستطيع حماية حدودها وهزيمة عدوها بسرعة كبيرة”، هذا هو نص الحديث الذي أورده جنرال الاحتياط في جيش الاحتلال غيرشون هكوهين، والذي يلخص مشهد الحرب التي تدور رحاها على أرض فلسطين.

وبعيدا عن المواقف العاطفية، يبدو أننا في حاجة إلى تقديم قراءة موضوعية لما يجري في ساحة القتال بعيدا عن الانحياز على الرغم من عدم وقوفنا على الحياد، ويعني ذلك ضرورة فهم تداعيات الحدث الدائر على أرض فلسطين عسكريا وسياسيا وثقافيا، فالحرب ليست عسكرية فقط وإنما تحمل أبعادا أوسع من ذلك بكثير.

خلال السنوات الخمس الأخيرة وتحديدا منذ العام 2017 أخذت العلاقات الإسرائيلية – العربية طابعا دافئا على خلفية التوتر بين إيران وبعض الدول العربية، وفي عام 2019 تحديدا استطاعت الجهود الأميركية أن تعقد مؤتمرا وزاريا في وارسو لتعزيز “السلام والأمن في الشرق الأوسط”، ووفقا للتصريحات الواردة فقد تناول المؤتمر محورين أساسيين الأول التطبيع والثاني وسائل مواجهة الخطر الإيراني.

حضر ذلك المؤتمر ممثّلون عن نحو ستين دولة وشاركت أكثر الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، بينما شاركت إسرائيل برئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي يعكس اهتمام الكيان الصهيوني بتأثيرات هذا المؤتمر وتداعياته، ومثّل الولايات المتحدة نائب الرئيس مايك بنس.

بقلم/ أحمد شهاب
باحث في شؤون التنمية السياسية

حققت إسرائيل، بقيادة الولايات المتحدة وضغوطها وجهودها، مكاسب لم تكن تحلم بها، وقطعت من خلال هذا المؤتمر أشواطا كبيرة إلى الأمام في إقامة علاقات طبيعية مع عدة دول عربية وكسر حاجز المقاطعة، وتحويل وجهة الصراع العربي – الإسرائيلي نحو تشديد الحصار على إيران، وتحديدها كعدو قائم.

◙ القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة فارضة نفسها كأولوية إسلامية وعربية بعد أن كاد يلفها النسيان وأحيت عملية طوفان الأقصى الحق الفلسطيني

ومنذ ذلك الحين والمساعي المحمومة لا تكاد تتوقف عن الدفع تجاه التطبيع العلني والتبادل التجاري والسياحي والتنسيق السياسي والاستخباراتي، في ظل شبه ترحيب حكومي رسمي ورفض عربي شعبي عارم، يتزامن ذلك مع جهود إعلامية واسعة لتهيئة الرأي العام لتقبل واقع العلاقات الجديد بين الكيان المحتل والدول العربية.

وفي عدة مقابلات أكد نتنياهو على الأبعاد الإستراتيجية للتطبيع مع الدول العربية، وفي مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، وصف نتنياهو أيّ اتفاق محتمل مع السعودية بأنه سيمثل “نقلة نوعية” في المنطقة، مضيفا أنه “سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد، إذ سيهدم جدران العداء”.

في ظل هذا التفاؤل الإسرائيلي جاءت عملية “طوفان الأقصى” لتهدم في دقائق معدودة كل سنوات الدفء الذي شعر به الكيان المحتل، لقد كانت العملية احترافية إلى درجة كبيرة، ودقيقة إلى حد مؤلم للعدو، سواء في التوقيت أو الأثر أو النوعية، لاسيما وأن هذه الحرب وقعت داخل “الخط الأخضر” لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، بما شكل صدمة لم تستفق منها القيادة الإسرائيلية حتى اليوم.

ووفقا للمعطيات السابقة، فإن عملية “الطوفان” حققت انتصارا سياسيا وثقافيا ساحقا للمقاومة الفلسطينية، وبغض النظر عن نتائج الحرب العسكرية، فإن جدران العداء في الشرق الأوسط أصبحت أكثر سماكة من ذي قبل، والنفور العربي الشعبي أصبح أكثر ضغطا وتأثيرا على الحكومات العربية.

لقد عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة فارضة نفسها كأولوية إسلامية وعربية بعد أن كاد يلفها النسيان، وأحيت عملية “طوفان الأقصى” الحق الفلسطيني، والأرض المغتصبة، وتهجير السكان من بلادهم دون وجه حق، ولم يعد ممكنا تجاهل هذه المشاعر التي استعادت تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي بكل مراراته التاريخية.

على المستوى العسكري، نقر مبدئيا أن المقارنة بين الترسانة العسكرية الإسرائيلية والإمكانات العسكرية المتاحة للمقاومة غير عادلة بأيّ حال من الأحوال. لذا وحتى نصل إلى تقييم موضوعي لما يجري على الأرض، ينبغي أن نتعرف على الأهداف التي حققتها المقاومة مقارنة بالأهداف التي حققتها الآلة العسكرية لإسرائيل.

تتبوأ إسرائيل الرقم 18 بين الدول الأقوى عسكريا في العالم، وتمتلك ما يقارب 600 طائرة حربية، و1650 دبابة، بينها 500 من فئة الميركافا الأكثر تطورا في العالم، و7500 مدرعة عسكرية، و65 قطعة عسكرية بحرية، ويرتبط كل ذلك بشبكة إلكترونية معقدة للغاية.

ويتحصن الكيان المحتل بالقبة الحديدية وهي عبارة عن نظام دفاعي متقدم لاحتواء ومواجهة الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية في مختلف الأحوال الجوية، كما أنها تمتلك رؤوسا نووية تعد الأخطر في المنطقة، لاسيما وأنها لم تخضع لتفتيش وكالة الطاقة الذرية، وتحظى إسرائيل بدعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

في الجهة المقابلة تمتلك حماس مجموعة متنوعة من صواريخ أرض – أرض المصنعة محليا، بالإضافة إلى صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، والتي تم تهريبها عبر الأنفاق من المحور، وصواريخ القسام وغراد وسجيل والقدس والفجر بعيدة المدى، كما تمتلك حماس طائرات مسيّرة وشهاب وطائرات مظلية تم الكشف عنها خلال عملية “الطوفان” الأخيرة.

أمام هذه الفجوة الواضحة بين الترسانتين العسكريتين، نلاحظ الآتي:

• حققت المقاومة في فلسطين عدة إنجازات عسكرية ضد الكيان الغاصب، أبرزها كسر هيبة وسمعة الجيش الذي لا يقهر، فخلال دقائق معدودة تم تعطيل واختراق القبة الحديدية، وقتلت المقاومة 1700 فرد ما بين عسكري ومستوطن، وأسرت ما يقارب 170 فردا.

• استهدفت المقاومة مراكز ومواقع عسكرية إسرائيلية عدة، من بينها موقع إيرتز العسكري، وتمكنت من الحصول على وثائق عسكرية هامة وسرية ترتبط بأهداف وخطط الاحتلال، ومعلومات تفصيلية حول العملاء.

• خلال محاولات التقدم البري أغرقت المقاومة وحدات الجيش الإسرائيلي في كمائن على كافة الجبهات، وتكبّد جيش المحتل خسائر فادحة، وبالإضافة إلى القتلى والجرحى تمكنت المقاومة من أسر عدد من قادة جيش الاحتلال.

• تسعى إسرائيل في خطتها الهجومية إلى بتر قطاع غزة والسيطرة على معبر رفح، لكن تنحصر أهدافها فعلا حتى الآن على هدم البنية التحتية وقتل المدنيين بمن فيهم الآلاف من الاطفال والنساء، ولم يتبين من التقارير الميدانية حتى تلك الصادرة عن إعلام الكيان نفسه أنهم حققوا أي إنجاز عسكري يذكر.

◙ يبقى أمام إسرائيل وحلفائها التراجع عن مشروع بتر القطاع والسيطرة على معبر رفح والبقاء في خانة تدمير البنى التحتية والانتقام من الشيوخ والنساء والأطفال

• لا تزال جميع الفصائل الفلسطينية المقاومة تؤكد جهوزيتها التامة، وسلامة ترسانتها العسكرية، فقد أعلنت كتائب القسام أنها لم تستخدم طاقتها العسكرية الكاملة، أما سرايا القدس فأعلنت أنها استخدمت 10 في المئة فقط من ترسانتها العسكرية، وأن “طوفان الأقصى” ما هو إلا جولة وليس كل المعركة.

• من المؤكد أن ما يحصل في غزة جريمة إنسانية مروعة بكل المقاييس تعبّر عن حجم الصدمة التي أصيب بها الكيان المحتل، ويحاول من خلال المجازر المنظمة أن يغطي على خسائره المعنوية والمادية، ويرمّم ما أصاب صورته الردعية من تهشيم.

ولا شك أن خسارة إسرائيل لعنصر المفاجأة لا يعني عدم قدرتها على تنفيذ مفاجآت تكتيكية ميدانية، لكن من الواضح أن مسار ردود الفعل الوحشية وانتهاك كل معايير حقوق الإنسان والمبادئ الدولية في الحرب انعكست بشكل سلبي على الكيان المحتل، وهي نقاط تحسب ضده وضد الحكومات التي تسانده.

لذا فإن التقييم الميداني يتيح لنا القول بأن وهم الانتصار العسكري للكيان لا يزال معطى بعيد المنال، بل إنه صعب التحقق، فالمقاومة وفقا لتصريحات قادتها لم تنتقل إلى استخدام كامل طاقتها بعد، كما أن المقاومة اللبنانية لا تزال تحافظ على نسق محدد في مستوى العمليات القتالية الدقيقة والموجهة، تستنزف خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جبهته الشمالية.

وفي حال توسعت رقعة الحرب، ستكون إسرائيل في موقف مربك للغاية، فهي ملزمة بتحويل المنظومات الدفاعية لحماية المنشآت المدنية والعسكرية وصد رشقات صواريخ حزب الله الفتاكة، حيث تشير التقارير إلى أنها أكثر تفوقا وجهوزية من نظيرتها الفلسطينية.

يبقى أمام إسرائيل وحلفائها التراجع عن مشروع بتر القطاع والسيطرة على معبر رفح، والبقاء في خانة تدمير البنى التحتية والانتقام من الشيوخ والنساء والأطفال، ومن المؤكد أن الانتقام مهما بدا عنيفا ووحشيا لا يشكل ثقلا سياسيا ولا إنجازا عسكريا، وإنما هو مجرد تنفيس عن الفشل وانحسار مستحق للمشروع الصهيوني في المنطقة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button