الناس و الحياةفي الصميممجتمع

استئساد القطيع في وقت حرج

في قرية عرف أهلها بالكذب وشهادة الزور . حيث تزوج رجل بامرأة سراً وكان زواجاً شرعيا امام شيخ وبحضور شهود.
وبعد فترة اختلف الزوجان وطردها، فذهبت للقاضي مشتكية، وقالت: تزوجني زواجاً شرعياً ويشهد بذلك فلان وفلان.
طلب القاضي حضور الزوج والشاهدين فانكر الزوج والشهود معرفتهم بهذه المرأة تماما. نظر القاضي للشاهدين وللزوجة ايضا وسألها: هل عند زوجك كلاب؟
اجابت: نعم
قال: هل تقبلين بشهادة الكلاب؟
قالت: نعم
قال: خذوها فان نبحت الكلاب عليها فهي تكذب وإن رحبت بها فهي صاحبة الدار.
ارتبك الشاهدان واصفرت وجوههم. فقال القاضي: اجلدوهم فإنهم يكذبون.
بئس القرى التي كلابها أصدق من أهلها ..

عبد_الله_العبادي

بقلم عبدالله العبادي
نعم هذا حال مجتمعنا العربي اليوم، ناشروا التفاهة يتسيدون المشهد العام، والعالم يطبل لهم، سهراتهم يتابعها الملايين، لباسهم بالملايين، فنادق فاخرة، وكم هم كثر في وقت تلاشى فيه كل شيء نبيل وقيم، في زمن تهاوى كل شيء ثقافي وفكري، الأستاذ والمثقف يئن تحت وطأة التهميش، ما يجنيه الواحد منهم في سهرة واحدة، يجنيه أساتذة كلية طوال حياتهم المهنية، نعم إنها ضريبة الضمير حي.
تبا لزمن صار التافه غاليا وعاليا، وأسطورة وقدوة، وأصحاب الضمير الحي، يجتهدون في العمل البناء، يمارسون طقوسهم الفكرية التي لم تورثهم إلا الشقاء والأعصاب وقلة النظر والوحدة.
باسم الثقافة والفكر، نتعذب يوميا، بين مشاهد البؤس وتفاهة الحياة، مشاهد كثيرة لفوارق كبيرة، بين الطموح الإنساني، وانحدار المجتمع، فالعلم صار طريقا للشقاء، والمجتمع لا يعترف بك، ولا ببحوثك ولا بكتاباتك ولا بمؤلفاتك. الغالبية العظمى تغني أغانيها، وتعرف ثمن فستانها، وإسم خطيبها، ويعرفون ثمن سيارته، وأين يتعشى الليلة.
يدافعون عنه حتى لو أخطأ، ويصطفون لمناصرته، ويعلنون حربا بمواقع التواصل الاجتماعي بالنيابة عنه، لأنه “الإيدول”. هكذا أصبح مجتمعنا المسكين، غارقا في أوهام لا بداية ولا نهاية لها. تاه شبابه بين الكرة والمشاهير، فلم يعد التعليم يصنع الأمجاد، بل طريق للفقر والشقاء، هكذا صوروه لهم وهكذا أريد له.
مجتمعات نجحت في منح التافهين المقاعد الاولى، ليصبحوا قدوة، حتى أصبحت الثقافة غير مرغوب فيها، والالتزام الفكري مرادف للتعاسة. لا أحد يقرأ، وإذا قرأ لا يتعدى ست دقائق سنويا، لكن العربي يسكن مواقع التواصل الاجتماعي وأماكن التفاهة، ومطالبه لا تتعدى سقف ما يراه ويتابعه، يريد الغنى السريع والشهرة، يريد أن يصبح “سطار” حتى لو كان سطلا فارغا، ليس مهما.
هل يعاقبنا التاريخ أم يفر منا المستقبل، كما عاتبنا الحاضر. من سيخلف العروي والجابري وطه حسين وغسان كنفاني وعلي الوردي والرصافي وكبار الفكر العربي، بما نراه اليوم، من انفلات أخلاقي غير مسبوق في مجتمعات تنحدر نحو الهلاك، من سيقرأ لهايدكر وفيبر وفوكو وهابرماس، القليلون فقط، سيشكلون في المستقبل اقلية مغضوب عليها، فئة شادة داخل مجتمع تافه.
أي تنمية ثقافية نريدها للأجيال القادمة في ظل تنامي احتقار العقل واستئساد القطيع ….لا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button