تقارير وملفات

تداعيات عسكرة البحر الأحمر الجيوسياسية على الأمن والاقتصاد

بقلم الدكتور عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

لقد أدى الدور المتنامي للبحر الأحمر الممر الأهم في العالم الذي يمر عبره 23 ألف سفينة كل عام نحو قناة السويس، وهي حلقة وصل مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية ووضعه في قلب المنافسة الجيوسياسية، لذلك بعدما واجهت السعودية بمفردها مواجهة الشبكة التي شكلتها إيران لتهديد أمن المنطقة، وبشكل خاص تهديد أمن ممرات البحر الأحمر في مضيق باب المندب، خصوصا عندما حاولت السعودية تشكيل تحالف الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن في 2018 مقره الرياض، لكن اعترض الناتو على هذا الحلف متحججا أن اتفاقية بحر البلطيق لا تمنع الدول البعيدة من التواجد في البحر، إلى جانب أن التحالف بقيادة السعودية حاول تحرير الحديدة من وكلاء إيران الحوثيين في اليمن لكن وقف المجتمع الدولي حائلا أمام تحرير الحديدة بحجج واهية في المنطقة، واستبدل باتفاقية إستكهولم عام 2018.

حدث ما كانت تتوقعه السعودية من استهداف لمنشآتها النفطية عام 2019 الشريان النفطي الحيوي الذي يغذي العالم، عندها اتجهت السعودية إلى بحث عن بدائل أخرى، والبحث عن تهدئة مع عدوها اللدود إيران لمدة استمرت عامين عبر وسطاء من خلال بغداد وسلطنة عمان، لكنها لم تقتنع بالضمانات المقدمة لها، عندها تبنت بكين هذه التهدئة في 10 مارس 2023 مما شكل صدمة غير متوقعة للولايات المتحدة والغرب معا، استخدم بعض الدبلوماسيين الأمريكيين عبارات غير دبلوماسية لوصف ما جرى، خصوصا بعد حسابات استراتيجية اتخذتها الرياض بعد إعلان أوبك بلس عن تخفيض ملوني برميل في أغسطس 2022 اعتبرته واشنطن انتصارا للرئيس الروسي بوتين الذي يريد ارتفاع أسعار النفط لمواصلة تمويل الحرب في أوكرانيا، وفي زيارة بايدن للسعودية بعد فترة برود في العلاقات بين الجانبين في يوليو 2022 وتأكيد بايدن على عدم ترك فراغا في المنطقة تملأه الصين أو روسيا أو إيران، لكن اعتبرته السعودية سردية لم تكن سوى تمنيات لا تمس الواقع المتغير في الشرق الأوسط.

هناك 19 قاعدة عسكرية ل16 دولة في جيبوتي، أنشأت مصر قاعدة عسكرية برنس البحرية عام 2021، مع إعادة الصين تأهيل وتوسيع محطة حاويات بورتسودان التي أصبحت جزء من مبادرة الحزام والطريق، كما قامت السعودية بتعزيز علاقاتها في المنطقة، لأنها ترى استقرار منطقة البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية في الكثير من خططها التنموية التي تقوم عليها رؤية 2030، وفي سبتمبر 2023 تم الكشف عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتجاوز ممرات البحر الأحمر ترى واشنطن أنه بديل لمبادرة الحزام والطريق الذي يتخذ من البحر الأحمر ممرا له، لكن السعودية ترى أنهما طريقان متكاملان باعتبار أنها دولة لوجستية وشريكة في الطريقين.

لذلك سلطت الهجمات الحوثية على السفن التجارية الضوء على الهشاشة المتزايدة للأمن في البحر الأحمر كنقطة ساخنة في المنافسة الجيوسياسية بين القوتين العالميتين، تهدف الولايات المتحدة أن يؤثر على مبادرة الحزام والطريق، ويشجع في نفس الوقت التعجيل في تحقيق الممر الهندي المار بالشرق الأوسط إلى أوروبا كبديل ويخفض وقت نقل البضائع 40 في المائة، ويساعد في وضع السعودية كمركز لوجستي عالمي، لكن هذا لن يجعل السعودية تتخلى عن التزامها بمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تتطلب تحقيق الأمن في البحر الأحمر.

ترى السعودية أن الحرب في غزة قوضت الجهود الأمريكية والأوروبية والإقليمية لمعالجة التحديات من خلال تطوير منظومة أمنية إقليمية أكثر شمولا، من أجل ذلك نظمت أمريكا مناورات بحرية مشتركة في 2021 – 2022 بين إسرائيل ودول خليجية مطبعة، لكن السعودية ترفض المشاركة في تلك المناورات حتى تقيم إسرائيل دولة فلسطينية، كما دعمت أمريكا نقل الجزيرتين السعوديتين تيران وصنافير من مصر إلى السعودية لرسم ملامح مرحلة جديدة، لكن هذه المرحلة غير واضحة المعالم حتى الآن خصوصا في ظل رفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية، يأتي ذلك مع الرد الأمريكي غير المتكافئ للحوثيين، والاكتفاء بضربات لاحتواء الحوثيين على الرغم من الأخطار التي تسببها تلك الهجمات سواء على الأمن البحري أو على الاستقرار في المنطقة في ظل مفاوضات سرية تجري بين الولايات المتحدة وإيران.

في ظل هذه الاستراتيجية التي تشكل عنصرا في سياق مواجهة طريق الحرير من أجل إعطاء المزيد من الفرص لمشروع الممر الهندي نحو أوروبا عبر السعودية، ما يعني ان المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وإيران غير كافية، بل لابد من التوصل إلى تفاهمات بين الولايات المتحدة والصين إلى اتفاقيات لكن أمريكا تود التوصل إلى تحجيم النفوذ الصيني لصالح الولايات المتحدة ومن الصعب أن تقبل الصين إلا إذا توصل الجانبين إلى تقاسم النفوذ وهو لا ينفصل عن الصراع في بحر الصين الجنوبي بعدما أقامت الصين ست جزر صناعية لإقامة عليها قواعد عسكرية وأصبح للصين قوات بحرية ضاربة تعزز من هيمنها ضد الدول الحليفة للولايات المتحدة على رأسها اليابان والفلبين، ما يعني أن عسكرة البحر الأحمر ستستمر إلى أجل حتى تتوقف الحرب في غزة وهو ما نلاحظه أن الولايات المتحدة رغم الضغوط الدولية تستخدم الفيتو ضد وقف فوري للنار ف يغزه كان آخرها ضد المشروع الجزائري وتود ان تستبدله بوقف مؤقت للنار يقود إلى وقف نهائي.

  • أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا [email protected]

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button