الجزء السادس
بقلم: خالد عبد اللطيف
وحده سليمان بائع الحلزون يضفي على أجواء رمضان مرحا وفرحا على بساطته وتواضع فطوره،فترسم مخيلته ومخياله مساحات كبيرة للاستيطان في الزوايا والأركان والكوات،فيعتدل في جلسته وهو يحكي لنا ما وقع ذات رمضان.
أذكر أن الحي بأكمله كان يعول على غيطة “ح’ مسحراتي رمضان،فيتناولون سحورهم على إيقاع غيطته او مزماره في إيقاظهم من نومهم واحلامهم.
وكان بودراع في بداية السبعينات،لاتوجد به إنارة عمومية،ومع المغرب يسدل الظلام ستاره،وتنعدم الرؤية، وتتحول الأزقة الى فضاءات تغري الاشباح بالخروج لمشاكسة الكبار واستفزاز الصغار والنساء واخافتهم.
كان هذا الظلام الدامس مرتعا خصبا لتهيؤات كثيرة،وخيالات متعددة تنساب معها خرافات آمن بها أهل المدينة منها(شيخ الكانون،وعيشة قنديشة،وبغلة الروضة،وبوخيشة والهرماني…)وغيرها من الاساطير التي عاشت في عقول الرجال والنساء والشيوخ،وتم نقلها الى الصغار الذين من كثرة ذكرها أمامهم اصبحوا يتبولون في فراسهم وتداهمهم كوابيس في الليل.
في تلك الليلة الرهيبة،ومع اقتراب الفجر،خرج المسحراتي”ح” كعادته متنقلا بين الدروب ومن زقاق الى آخر،مؤديا واجبه الرمضاني اليوم،مرتاحا الى مايقوم به من عمل نبيل،جاب الاحياء والدروب، وحين اقترب من مقبرة النصارى المتواجدة بالناحية الشرقية من بلوك1 بحي بودراع،خرج من بابها حيوان كبير ذو حوافر،وعلى رأسه وظهره نيران مشتعلة،وشهب لامعة،مصحوبة بأصوات أواني قصديرية أشبه بجلجلة النواقيس أو الأجراس،ولم يتسن للمسحراتي”ح” أن يسترد أنفاسه،ويستجمع قوته للوقوف على حقيقة مايجري أمام أنظاره،فطاش عقله،وانعقد لسانه كالمحتضر،ولم يعد قادرة على التركيز لفهم مايجري حوله.
خفق قلبه بقوة،وتسارعت دقاته،وفي هنيهة حبسها لحظة الوداع،استحضر بعض القصص والحكايات التي كان يحكيها العابرون والمسافرون وكبار الشيوخ بتادلة،أن منهم من رأى بغلة الروضة تخرج من المقبرة،وكل من وجدته في طريقها او صادفتها تحمله بين أسنانها،وتجوب به شوارع المدينة طيلة الليل حتى الصباح,وقبل تنفس الفجر تحمله إلى المقبرة فتشرع في رفيع وركله بحوافرها الثقيلة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
زبالة الروضة كما تحدث عنها الشيوخ،امرأة مات عنها زوجها،واضطرت الى لبس الثوب الابيض المدة المحددة في العدة،وأنها إذا لم تلتزم بهذه القواعد الشرعية ،وقامت بالزنى،فإن الله يغضب عليها ويمسخها قطا يتمرغ في البالوعات وقنوات الصرف الصحي،وبعد دقائق من التمرغ في الأماكن النجسة والمتسخة تتحول الى بغلة يعاقبها الله بالحرب والركض بين المقابر حتى تصاب بالانهاك،وفي الصباح تعود الى حالتها الطبيعية،وقد كان سكان حي بودراع يشكون في امرأة تلقب ب”الفرنومية”وقال انها لم تراه حق الله،وتتحول الى بغلة الروضة،ودليلهم على ذلك أن مصطفى الجزار كانت متجها للسوق الاسبوعي الذي كان يقام بحي الزرايب قرب الحدادة،فخرجت له البغلة تريد حمله بين فكيها،لكن عبدالله الشجاع الذي يحسب في حي بودراع بعشرة رجال،أخرج من يطلع الذي يحمل فيها أدوات الجزارة سكينا كبيرا من طراز14 فعاجلها بضربة على مستوى عينيها فأدماها،ومن شدة الوجع هربت والدعاء تنساب منها.
وفي الغد وبعد تسرب خبر تعرض مصطفى لنجمة من بغلة الروضة، ولتبديد الشكوك،اتجهت مساء الحي عند”الفرنومية” لزيارتها،قابلتهن وهي تضع خمارا على وجهها،وتجرأت حادة الموساتنية وخلغت برقعها لتبصر جميع النسوة ضربة على مستوى عينها ،وخطا في وجهها يشبه الساقية،وخرجن من عندها وهن متأكدات انها هي فعلا بغلة الروضة التي تخرج بالليل ،وفي لحظة من اشد اللحظات المرعبة،اطلق المسحراتي ساقيه للريح وهو يصرخ،وما إن وصل عتبة منزله حتى سقط مغڜيا عليه،وظل طريح الفراش لمدة شهور حتى تماثل للشفاء،لكن صورة بغلة الروضة ماتزال تزوره في منتزه وتحولت إلى كوابيس،بعدها طلق هذه المهنة الى غير رجعة…
ومرت اسابيع على هذه الواقعة،فتدوولت الاخبار ان ما وقع المسحراتي ماهي الا مكيدة من صنع شباب حي بودراع،تم توظيف أثان (أنثى حمار)بعد تم الصاق بعض الشموع بإحكام على اذنيها وظهرها،وربط بعض العاب القصيديرية أسفل ظهرها،وكان الإخراج جيدا لمسحراتي ضعيف لاحول له ولاقوة.
يتبع…
