أخبارالرئيسيةعين العقل

النقد..مرآة الوعي وصوت الضمير

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

حين نكتب أو ننتقد، لا نوجه سهامنا إلى أشخاصٍ بعينهم، ولا نحمل نية الانتقاص أو التشفّي، بل نمارس فعلًا إنسانيًا راقيًا، هو واجب الكلمة حين ترفض أن تكون شاهد زور.

نحن لا نكتب من أجل الصدام، بل من أجل الإصلاح، ولا نحرك الأقلام بدافع الخصومة، بل استجابةً لنداء الضمير الذي يأبى أن يرى الاعوجاج فيصمت.الكتابة عندنا ليست هواية ترف، بل مسؤولية ورسالة.

نكتب حين نرى واقعًا مختلًّا، أو حدثًا يعرّي الخلل في البنية السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، فنحاول أن نكشف بواطن الخلل حتى لا تتراكم هفواته أو تتفاقم مضاره.

نكتب لتصحيح المسار، لا لتأجيج الجدل، خدمةً للذوق الأدبي حين يختنق بالابتذال، ومحاربةً لفساد الطبع السياسي حين يستبد ويستغفل الناس بشعاراتٍ منمقةٍ ووعودٍ بالية.لسنا خصومًا لأحد، بل حلفاء للحقيقة، فالنقد ليس عدوًّا للحاكم ولا للكاتب ولا للمثقف، بل هو البوصلة التي تمنع السفينة من الانحراف.

والمجتمعات التي تُقصي النقد، تُقصي معها العقل، وتفتح أبوابها للانحدار.إننا نكتب كي نُحسّ بمن حولنا، نوقظ ما خمد من الوعي، ونُذَكِّر من بيدهم القرار بأن السلطة ـ أيا كان نوعها ـ تفقد معناها إن لم تُترجم إلى عدلٍ وإنصافٍ ومسؤولية.

كما نُذكّر من بيدهم القلم أن الأدب لا يعيش في صالات التصفيق، بل في السطور التي توقظ، وتُقلق، وتُربّي الذائقة على الجمال الصادق لا الجمال المصطنع.ندرك تمامًا أن المترفين لن يُعجبهم النقد، فهم أبناء المديح وتجار الكلمات.

اعتادوا أن تُرسم لهم الصور المذهّبة، وأن تُكتب عنهم الجمل الملمّعة، فغدوا أسرى المجاملة، غرباء عن الحقيقة.

أما نحن، فنتشبث بما جاء في الأثر الشريف: «الساكت عن الحق شيطان أخرس».

ولهذا، نكتب ولو أغضبنا، لأننا نؤمن أن الصمت أمام الفساد خيانة، وأن السكوت عن الخطأ مشاركة فيه.النقد ـ كما نفهمه ـ ليس تهجُّمًا، بل مشاركة في البناء.

هو نداءٌ إلى الضمائر، دعوةٌ إلى مراجعة الذات، وتنبيهٌ بأن القاطرة إن خرجت عن السكة، فلن ينفع بعدها ندم ولا خطاب.

فمن يكتب اليوم بصدق، يُسهم في إنقاذ الغد. ومن ينقد بإخلاص، يضع لبنة في جدار الوعي، ويفتح للجيل القادم نافذة نحو النور.

إننا نكتب لأننا نحب أوطاننا، ونغار على ثقافتنا، ونرفض أن تكون الكلمة جارية في قصور النفاق. نكتب لأننا نؤمن أن الحقيقة مهما آلمت، أصدق وأجمل من الزيف مهما تلألأ.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button